بقلم الناقد الفني محمد المالحي
صدرت رواية “الإسكندرانى” منتصف سبعينيات القرن الماضى، للراحل أسامة أنور عكاشة، ودخلت محاولات كثيرة لتقديمها كان أبرزها للمخرج الراحل عاطف الطيب ورشح لها الفنان عمر الشريف ثم محمود عبد العزيز ثم يحيى الفخرانى، لكنها لم تري النور وتعثر إخراجها وإنتاجها أكثر من مرة !! حتي نجح المخرج خالد يوسف مؤخرا في تحويلها لعمل سينمائي يحمل نفس الأسم.
تدور احداث الفيلم حول الصراع بين الأب على الإسكندرانى وولده بكر الإسكندرانى، ويقدمهما بيومى فؤاد وأحمد العوضى، وصراع الأجيال ورؤية كل منهما لكيفية إدارة الأعمال وتغيير المنظور ما بين جيل قديم وجيل جديد، من خلال الاب تاجر السمك، العاشق للحياة ولسكندريته، والمتمسك بقيم وتقاليد الزمن الجميل “الشهامة- حق الجار- مساندة المظلوم- التسامح” اضافة لعلاقة صداقته بجاره اليوناني الذي يرفض مغادرة المدينة ويرفض لقب خواجة- ما تبقي من أجانب الثغر- اداها الفنان حسين فهمي، في اشارة لـ”كوزموبيلتان الاسكندرية”، وجاره الأخر صاحب المقهي، الشخصية التي اداها الفنان صلاح عبد الله، ثلاثتهم يجمعهم قيما أندثرت وصداقة بالغة العذوبة.
علي الجانب الأخر نري نجله علي النقيض من شخصية والده، فهو يهوي لعبة الملاكمة علي المراهنات، كما جاء في بداية الفيلم، حالما بالثراء السريع، بالتوازي مع قصة حبه لـ”قمر- الفنانة زينة”، التي يحبها في نفس الوقت ابن عمه- اداها الفنان محمود حافظ، ويسافر الابن بصحبه صديقه “زكي- عصام السقا” للخارج بحثا عن حلم الثراء، واثبات ذاته أمام والده، فيعمل في مهن متعددة، منها الملاكمة بالمراهنات أيضا، حتي يلتقطه أحد زعماء المافيا ويصبح ضمن حراسته الخاصة، وفي احدي عمليات التهريب يستولي علي صفقة “ألماظ” بنحو 80 مليون دولار، ويعود لمسقط رأسه بعد غياب 10 سنوات، محاولا شراء كل ما يقابله في مسقط رأسه من عقارات ومحال تجارية وذمم للبشر- في اشارة لتحولات الاسكندرية ورياح القبح التي هبت عليها- ومحاولته الدائمة لإثناء والده عن تجارته التي لا تحقق ربحا، من وجهة نظره، بسبب ما يحمله من قيم وتقاليد تعود للزمن البالي!!
ورغبته في الانتقام من أبن عمه واجباره علي تطليق زوجته- حبه القديم- في الوقت الذي تطارده عصابات المافيا، للانتقام منه علي خيانته السابقة، فينتهي به الحال مقتولا، بعد أن تحولت عودته الي لعنة طالت كل من حوله بما فيهم والده.
“الاسكندراني” يمثل عودة للمخرج خالد يوسف، بعد غياب سنوات عن شاشة الفن السابع، وسينجح تجاريا لما يحمله من “خلطة” يجيدها المخرح خالد يوسف، ولما به من عناصر متعددة لجذب جمهور السينما، ابرزها مشاهد “الأكشن” التي قام بها بطل الفيلم أحمد عوضي، اضافة للابهار في التصوير والموسيقي وأغاني الفيلم والديكور لمنازل أبناء الطبقة المتوسطة، التي بات المشاهد يفتقد وجودها علي شاشتي الدراما واالسينما!!
مفاجأة الفيلم هو الفنان بيومي فؤاد، الذي يعتبر بطل الفيلم عن استحقاق، في دور يعتبر بمثابة أعادة أكتشاف لقدرات بيومي فؤاد التمثيلية علي يد خالد يوسف، بعيدا عن “الكاركتر الكوميدي” الملاصق له.
أجادت “زينة” في دورها، كذلك محمود حافظ و”صلاح عبد الله وحسين فهمي- ضيوف الشرف” وأبنة حسين فهمي “الشابة اليونانية”، عصام السقا- صديق البطل- جاء أداءه باهتا، أما أحمد العوضي بطل الفيلم- في أول بطولة له- فهربت منه أبعاد الشخصية علي نحو كبير، وجاء أدائه صورة كربونية من محمد رمضان في مسلسل “الأسطورة- وفيلم عبده موتة” .. خلا وجه “العوضي” من اي تعبيرات تنم عن العاطفة أو الأحساس في غالبية مشاهد الفيلم، بإستثناء تعبير واحد وهو “التجهم” .. ولا أدري هل هي توجيهات من مخرج العمل ورؤيته .. أما أن “العوضي” يحاول أستنساخ محمد رمضان!!
نهاية .. أكد الفيلم في التيتر أن المعالجة الدرامية لقصة أسامة أنور عكاشة لـ”خالد يوسف- علي نفس نهج يوسف شاهين” .. وكان من الأفضل لخالد يوسف، أن يستعين بناصر عبد الرحمن أو عبد الرحيم كمال أو محمد سلبمان عبد الملك، للمعالجة الدرامية وكتابة السيناريو، خاصة وأن ثلاثتهم يملكون مفردات قريبة من روح وعالم “أسامة أنور عكاشة” الرحب المفعم بالإنسانية والتفاصيل الدقيقة للنفس البشرية وعوالمها شديدة الثراء والتعقيد معا .. إلا أنه يحسب لحالد يوسف تحقيق حلم “عكاشة” بظهور “الإسكندراني” علي الشاشة .. بعد تعثر إنتاجه سنوات وسنوات.