يتساءل الكثير من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، حول ما إذا كان الاحتفال بشم النسيم من المحرمات، حيث إن شم النسيم ليس من الأعياد الواردة في الدين الإسلامي.
شم النسيم حلال ولا حرام؟
وأوضح مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، عن تلك التساؤلات عبر البوابة الرسمية لدار الإفتاء المصرية، مؤكدا أن الاحتفال بشم النسيم ليس من المحرمات.
وأكد فضيلة المفتي، في بيان فتواه عبر بوابة الدار الرسمية، أن جميع الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية واضحة في إباحة الاحتفال بـشم النسيم والمشاركة فيه شرعًا، سواء في ذلك الفتوى الصادرة في عهد المفتي الأسبق فضيلة الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، برقم 314 لسنة 2001م، أو الفتوى الصادرة في عهد المفتي السابق فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، برقم 212 لسنة 2012م، أو الفتوى الصادرة برقم 208 لسنة 2017م
وفي تفصيل فتواه، قال علام: سبق لدار الإفتاء المصرية أن أصدرت في ذلك الفتوى التالية: [شم النسيم عادة مصرية ومناسبة اجتماعية ليس فيها شيء من الطقوس المخالفة للشرع، ولا ترتبط بأي معتقدٍ ينافي الثوابت الإسلامية، وإنما يحتفل المصريون جميعًا في هذا الموسم بإهلال فصل الربيع، بالترويح عن النفوس، وصلة الأرحام، وزيارة المنتزهات، وممارسة بعض العادات المصرية القومية، كتلوين البيض، وأكل السمك، وكلها أمور مباحة شرعًا: فبعضها مما حث عليه الشرع الشريف ورتب عليه الثواب الجزيل، كصلة الأرحام، وبعضها من المباحات التي يثاب الإنسان على النية الصالحة فيها، كالتمتع بالطيبات، والتوسعة على العيال، والاستعانة على العمل بالاستجمام.
وكان الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه -والي مصر من قِبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه- كان يخطب المصريين في كل عام ويحضّهم على الخروج للربيع، وذلك في نهاية فصل الشتاء وأول فصل الربيع، كما أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر والمغرب، وابن زولاق في فضائل مصر وأخبارها، والدارقطني في المؤتلف والمختلف.
والأصل في موسم شم النسيم أنه احتفال بدخول الربيع، والاحتفال بالربيع شأن إنساني اجتماعي لا علاقة له بالأديان، فقد كان معروفًا عند الأمم القديمة بأسماء مختلفة وإن اتحد المسمَّى، فكما احتفل قدماء المصريين بشم النسيم باسم عيد شموس أو بعث الحياة: احتفل البابليون والآشوريون بعيد ذبح الخروف، واحتفل اليهود بعيد الفصح أو الخروج، واحتفل الرومان بعيد القمر، واحتفل الجرمان بعيد إستر، وهكذا.
شم النسيم حلال ولا حرام؟
ولم يكن من شأن المسلمين أن يتقصدوا مخالفة أعراف الناس في البلدان التي دخلها الإسلام ما دامت لا تخالف الشريعة، وإنما سعوا إلى الجمع بين التعايش والاندماج مع أهل تلك البلاد، مع الحفاظ على الهوية الدينية.
ولَمّا كان الاعتدال الربيعي يوافق صوم المسيحيين، جرت عادة المصريين على أن يكون الاحتفال به فور انتهاء المسيحيين من صومهم، وذلك ترسيخًا لمعنًى مهم، يتلخص في أن هذه المناسبة الاجتماعية إنما تكتمل فرحة الاحتفال بها بروح الجماعة الوطنية الواحدة.
وهذا معنًى إنسانيٌّ راقٍ أفرزته التجربة المصرية في التعايش بين أصحاب الأديان والتأكيد على المشترك الاجتماعي الذي يقوي نسيج المجتمع الواحد، وهو لا يتناقض بحال مع الشرع، بل هو ترجمة للحضارة الإسلامية الراقية، وقِيَمِها النبيلة السمحة.
وأما ما يقال من أن مناسبة شم النسيم لها أصولٌ مخالفةٌ للإسلام، فهذا كلامٌ غير صحيح ولا واقع له، إذ لا علاقة لهذه المناسبة بأي مبادئ أو عقائد دينية، لا في أصل الاحتفال ولا في مظاهره ولا في وسائله، وإنما هو محض احتفال وطني قومي بدخول الربيع، رُوعِيَ فيه مشاركة سائر أطياف الوطن، بما يقوي الرابطة الاجتماعية والانتماء الوطني، ويعمم البهجة والفرحة بين أبناء الوطن الواحد، والسلوكيات المحرمة إنما هي فيما قد يحدث في هذه المناسبة أو غيرها من سلوكيات يتجاوز بها أصحابها حدود الشرع أو يخرجون بها عن الآداب العامة انتهت الفتوى.