من الأسئلة الرائجة على محركات البحث جوجل، السؤال حول خطبة عن ليلة القدر والعشر الأواخر، وتعرض بوابة من العاصمة الإخبارية، الإجابة في السطور التالية.
خطبة عن ليلة القدر والعشر الأواخر
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًا مُرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
أيها المسلمون؛ خلق الله الثَّقلَين لعبادتِه، وهو -سبحانه- غنيٌّ عنهم، ولا غِنى لهم عنه، وعبادتُه وحده سببُ دخول جنات النعيم.
جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنة. قال: «تعبُد الله لا تُشرِك به شيئًا، وتُقيمُ الصلاةَ المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاةَ المفروضة، وتصوم رمضان»؛ متفق عليه.
وعبادتُه تعالى في كل مكانٍ وآنٍ، وجعل الله سبحانه وتعالى؛ رمضان موسِمَ التعبُّد له، فكان – عليه الصلاة والسلام – يخُصُّه بالعبادة بما لا يخُصُّ غيرَه من الشهور.
وحرصَ الصحابة – رضي الله عنهم – على اغتِنام لحظاته؛ قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: “كانوا إذا صامُوا جلَسُوا في المسجِد”.
خطبة عن ليلة القدر والعشر الأواخر
ومن فضلِه – سبحانه -: أن جعل في موسِمِ رمضان مواسِم؛ ففضَّل العشرَ الأخيرة على سائر ليالي الشهر، وجعل ليلةَ القدر أفضلَ ليلةٍ في الشهر، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخصُّ العشرَ الأواخر من رمضان بأعمالٍ لا يعملُها في بقيَّة الشهور:
فإذا دخلت العشرُ أحيا ليلَه، وأيقظَ أهلَه، وشدَّ المئزَر، وجدَّ واجتهَد في طاعة الله يتحرَّى فيها ليلةً مُباركةً هي تاجُ الليالي .. بركاتُها عديدة .. وساعاتُها معدودة.
ونوَّه – سبحانه – بشأنها، وأظهر عظمتَها، فقال – سبحانه -: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر: 2].
فإن العملُ القليلُ فيها كثير، والكثيرُ منها مُضاعَف، والعبادةُ فيها أفضلُ من عبادة ألف شهر، وأفضلُ الكتب السماوية نزلَ في ليلتها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].
ومن تعظيم القرآن الكريم: الإكثارَ من تلاوته في الشهر الذي نزل فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].
وكان جبريلُ – عليه السلام – يُدارِسُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – القرآنَ في رمضان، وفي العام الذي تُوفّي فيه دارسَه القرآنَ في رمضان مرتين.
وليلةُ القدر ليلةٌ عظيمةٌ، أخبرَ الله أن مما يحدثُ فيها: أنها يُفرقُ فيها كلُّ أمرٍ؛ أي: يُفصَلُ من اللوح المحفوظِ إلى الكتَبَة أمرُ السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق والخير والشرِّ وغير ذلك.
إذ قال النوويُّ – رحمه الله -: “سُمِّيَت القدر؛ أي: ليلة الحُكم والفصل”.
يصِلُ فيها الله ويقطع، يخفِضُ ويرفع، يُعطِي ويمنَع، كما قال تعالى: (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4]؛ أي: ما يُقدِّرُه الله فيها مُحكَمٌ لا يُبدَّلُ ولا يُغيَّر.
خطبة عن ليلة القدر والعشر الأواخر
ليلةٌ القدر لكثرة بركَتها تتنزَّلُ فيها الملائكة، والملائكة تتنزَّلُ مع البركة والرحمة .. ليلةٌ هي سلامٌ من الله، فكلُّها خيرٌ لا شرَّ فيها إلى مطلَع الفجرِ، وأُخفِيَت متى هي في العشر، ليجتهِدَ طُلابُها في ابتِغائِها؛ لتزداد العبادةُ في العشر جميعًا.
ويُستحبُّ للعبد الإكثارُ من الدعاء والصلاة وفعل الخير في العشر. قال ابن مسعودٍ – رضي الله عنه -: “لكل شيءٍ ثمرة، وثمرةُ الصلاة الدعاء”.
وتقول عائشةُ – رضي الله عنها -: قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدر، ما أقولُ فيها؟ قال: «قُولِي: اللهم إنك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي»؛ رواه الترمذي.
والقائمُ في ليلتها بالتعبُّد مغفورٌ له ذنبُه، قال – عليه الصلاة والسلام -: «من قامَ ليلةَ القدر إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»؛ متفق عليه.
وكان رسول عليه الصلاة والسلام يعتكِفُ في العشر الأواخِر يتحرَّى ليلةَ القدر، قالت عائشةُ – رضي الله عنها -: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتكِفُ في العشر الأواخِر من رمضان حتى توفَّاه الله تعالى”؛ متفق عليه.
ففي الاعتِكاف قطعُ العلائِق عن الخلائِق للتفرُّغ لعبادة الخالِق، وإذا قوِيَت الصلةُ بالله رضِيَ الربُّ عن العبد.
والمُعتكِفُ يعكفُ على طاعة الله، ويُقيمُ عليها مُدَّة اعتِكافِه في أحبِّ البِقاع إلى الله “المساجد”، ويُقيمُ فيها على الطاعة والعبادة، والخضوع والخشوع والابتِهال، فلا يكون همُّه إلا الله، ولا مقصودُه إلا إياه، ولا مُرادُه سِواه – عز وجل -.
ويخرُج من الاعتِكافِ وقد اعتكفَ قلبُه على طاعة الله، فيكون أوَّاهًا مُنيبًا إليه – سبحانه -.
وبعدُ، أيها المسلمون: فالأجورُ في رمضان مُضاعفَة، وأبوابُ الجنة فيه مفتوحة، وقُدومُه عبورٌ لا يقبلُ الفُتور، وشهرُه قصيرٌ لا يحتملُ التقصير. فسابِق إلى الخيرات، وإن استطعتَ ألا يسبِقَك إلى الله أحدٌ فافعَل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.