يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير اليوم 16 جمادي الآخرة 1445 هـ، الموافق 29 ديسمبر 2023م، بعنوان ” جريمة الاعتداء على المال العام والملك العام والحق العام”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للشيخ خالد بدير
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الحفاظِ على المالِ العامِّ.
ثانيًا: صورٌ ومواقفُ مشرقةٌ في الحفاظِ على المالِ العامِّ.
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ المالِ العامِّ.
خطبة الجمعة اليوم للشيخ خالد بدير
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ، أمَّا بعدُ:
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الحفاظِ على المالِ العامِّ
إنَّ المالَ هو قوامُ الحياةِ، وهو مِن الضروراتِ التي أوجبَ الشارعُ حفظَهَا، ولأهميةِ المالِ في حياةِ الإنسانِ شُرعَتْ الملكيةُ بنوعيهَا: الخاصةُ والعامةُ، فنظامُ المالِ في الإسلامِ نظامٌ فريدٌ مِن نوعِه، فهو يحمِي أفرادَهُ مِن عبثِ العابثين، ونهبِ الطامعين، وتعدِّي الظالمين، فشرَعَ للملكيةِ الخاصةِ حمايةً وحرمةً وحدودًا لا يجوزُ لأيِّ مارقٍ أنْ يتعدَّاهَا أو يحومَ حولَهَا وإلّا استحقَّ الزجرَ والردعَ على ذلك، فعن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: “كلُّ المسلِم على المسلم حرامٌ: دمُه، وماله، وعِرْضه” (مسلم)، وعن أنسٍ: أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: “لا يَحِلُّ مال امرئ مسلِم إلاَّ بطِيب نفسه”. (الدار قطني والبيهقي بسند جيد).
ولحرمةِ المالِ شُرِعَ للإنسانِ الدفاعُ عن مالِه مِن الاعتداءِ عليهِ بأيةِ صورةٍ مِن الصورِ، واعتُبِرَ شهيدًا إنْ ماتَ دفاعًا عن مالِه، فعن أبي هريرةَ قال: جاءَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ جاءَ رجلٌ يريدُ أخْذَ مالِي؟ قال: “فلا تُعطِهِ مالَك”، قال: أرأيتَ إنْ قاتلَنِي؟ قال: “قاتِلْه”، قال: أرأيتَ إنْ قتلنِي؟ قال: “فأنتَ شهيدٌ”، قال: أرأيتَ إنْ قتلتُه؟ قال: “هو في النَّار”. (مسلم)، وعن عبدِاللهِ بنِ عمرٍو – رضي اللهُ عنهمَا -: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ” (متفق عليه).
وإذا كان الإسلامُ قد جعلَ لمالِ الإنسانِ الخاصِّ حرمةً وقداسةً، فإنَّهُ لم يغفلْ عن حرمةِ المالِ العامِّ، بل أعلَى مِن شأنِ هذه الحرمةِ فجعلَهَا أشدَّ حرمةً مِن المالِ الخاص، وعنيَ عنايةً عظيمةً بالمحافظةِ على أموالِ المسلمين، وأمَرَ بصيانتِهَا، وحرَّمَ التعدِّي عليهَا، وقُرنَتْ الأموالُ بالأنفسِ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ الكريمِ، فأمَرَ بالجِهادِ بالأموالِ والأنفُسِ في سبيلِ اللهِ، ونظَّمَ الأموالَ تنظيمًا سليمًا، فجعلَ في المالِ زكاةً حقًّا معلومًا للفقراءِ والمساكينَ وغيرِهِم ممَّن ذكرُوا في النصوصِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ، وجعلَ فيها حقوقًا مُعيَّنةً معلومةً، وحرَّمَ التعدِّي على أموالِ الأمةِ بغيرِ حقٍّ، ولو كان شيئًا يسيرًا .
فعن عدِّى بنِ عميرةَ رضى اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ” مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(مسلم).
فالمالُ العامُّ أعظمُ خطرًا مِن المالِ الخاصِّ الذي يمتلكُهُ أفرادٌ أو هيئاتٌ محددةٌ، ذلك لأنَّ المالَ العامَّ ملكُ الأمةِ وهو ما اصطلحَ الناسُ على تسميتِه ” مالَ الدولةِ ” ، ويدخلُ فيهِ: الأرضُ التي لا يمتلكُهَا الأشخاصُ، والطرقُ والمرافقُ، ومياهُ البحارِ والأنهارِ والترعِ، والمعاهدُ والمدارسُ، والمستشفياتُ، والجامعاتُ غيرُ الخاصةِ، وكلُّ هذا مالٌ عامٌ يجبُ المحافظةُ عليهِ، ومِن هنَا تأتِي خطورةُ هذا المالِ، فالسارقُ لهُ سارقٌ للأمةِ لا لفردٍ بعينِه، فإذا كان سارقُ فردٍ محددٍ مجرمًا تُقطعُ يدُهُ إنْ كان المسروقُ مِن حرزٍ وبلغَ ربعَ دينارٍ فصاعدًا، فكيف بمَن يسرقُ الأمةَ ويبددُ ثرواتِهَا أو ينهبُهَا ؟! كيف تكونُ صورتُه في الدنيا وعقوبتُه في الآخرةِ ؟!
إنَّ تشريعَ الإسلامِ لحمايةِ الملكيتينِ الخاصةِ والعامةِ لهُ علاقةٌ وثيقةٌ بأمنِ البلادِ والعبادِ، فإذا آمنَ الفردُ بأنَّ ملكيتَهُ مصونةٌ ومحترمةٌ، وأنَّ جميعَ طرقِ العدوانِ محرمةٌ في الشريعةِ الإسلاميةِ، فإنَّ الفردَ يأمنُ على مالِه وعرضِه، ويؤدِّي ذلك إلى علاقةِ ودٍّ ومحبةٍ، واستقرارِ وسلامةِ المجتمعِ مِن كلِّ خوفٍ أو رعبٍ أو تهديدٍ .
أمّا إذا تُرِكَ الحبلُ على الغاربِ، وأصبحتْ الأموالُ الخاصةُ والعامةُ فريسةً للطامعين، ونهبًا للمعتدين، فلا شكَّ أنْ يُصابَ المجتمعُ بتفككِ أوصالِه، وهدمِ بنيانِه، ويصبح الفردُ في رعبٍ دائمٍ، وقلقٍ مفزعٍ، فلا هو تمتّعَ بمالِه، ولا اطمأنَّ في مقامِه، كيف لا وهو يخشَى الاعتداءَ على مالِه كما تخشَى الأسدُ مِن أنْ تُلتَهَمَ فريستُهَا؟!
العنصر الثاني من خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بعنوان : جريمة الاعتداء على المال العام والملك العام والحق العام
ثانيًا: صورٌ ومواقفُ مشرقةٌ في الحفاظِ على المالِ العامِّ
تعالوا بنَا لنعرضَ لكم صورًا مشرقةً لسلفِنَا الصالحِ. ومواقفَهُم المشرِّفةَ في الحفاظِ على المالِ العامِّ.
فهذا أبوبكرٍ الصديقُ لمّا بويعَ للخلافةِ حدّدَ لهُ الصحابةُ راتبَهُ مِن بيتِ المالِ، ثم سلَّمُوه لقحةً :”ناقةً ذاتَ لبنٍ” ، وجفنةً: “وعاءً يوضعُ فيهِ الطعامُ”، وقطيفةً: ” تلبسُ ويلفُّ فيها مِن البردِ”، فلمَّا حضرتهُ الوفاةُ أمرَ بردِّهَا، فعنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَالْجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا، وَالْقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا، فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا مِتُّ فَارْدُدِيهِ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ” ( الطبراني؛ وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات ).
-ومِن هذه الصورِ ما رواهُ عبدُ الرحمنِ بنُ نجيحٍ قال: نزلتُ على عمرَ ، فكانت له ناقةٌ يحلبُهَا، فانطلقَ غلامُهُ ذاتَ يومٍ فسقاهُ لبنًا أنكرَهُ، فقال: ويحكَ من أين هذا اللبنُ لك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين إنَّ الناقةَ انفلتَ عليهَا ولدُهَا فشربهَا، فحلبتُ لكَ ناقةً مِن مالِ اللهِ، فقالَ: ويحكَ تسقينِي نارًا، واستحلَّ ذلك اللبنَ مِن بعضِ الناسِ، فقِيلَ: هو لك حلالٌ يا أميرَ المؤمنينَ ولحمُهَا.
فهذا مثلٌ مِن ورعِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ ، حيث خشيَ مِن عذابِ اللهِ جلَّ وعلَا لمَّا شربَ ذلك اللبنَ مع أنَّهُ لم يتعمدْ ذلك، ولم تطمئنْ نفسُهُ إلّا بعدَ أنْ استحلَّ ذلك مِن بعضِ كبارِ الصحابةِ الذين يمثلُونَ المسلمينَ في ذلك الأمرِ، بل انظرْ كيفَ فرَّقَ- بحلاوةِ إيمانِه ومذاقِه- بينَ طعمِ الحلالِ، وبينَ ما فيهِ شبهةٌ.
– ومِن هذه الصورِ: أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ – رضي اللهُ عنه – مرضَ يومًا، فوصفُوا لهُ العسل َكدواءٍ، وكان العسلُ في بيتِ المالِ، فلم يتداوَ عمرُ بالعسلِ كمَا نصحَهُ الأطباءُ، حتى جمعَ الناسَ وصعدَ المنبرَ واستأذنَ الناسَ: إنْ أذنتُم لِي، وإلّا فهو عليَّ حرامٌ. فبكَى الناسُ إشفاقًا عليهِ، وأذنُوا لهُ جميعًا، ومضَى بعضُهُم يقولُ لبعضٍ: للهِ درُّكَ يا عمر، لقد أتعبتَ الخلفاءَ بعدَك!!( الطبري في تاريخه؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق).
ومِن هذه الصورِ: قصةُ عاتكةَ زوجة عمرَ والمسك: فقد قدمَ على عمرَ مسكٌ وعنبرٌ مِن البحرينِ فقال عمرُ: واللهِ لوددتُ أنِّي وجدتُ امرأةً حسنةَ الوزنِ تزنُ لي هذا الطيبَ حتى أقسمُهُ بينَ المسلمين، فقالتْ لهُ امرأتُه عاتكةُ بنتُ زيدِ : أنا جيدةُ الوزنِ فهلُمَّ أزنُ لكَ. قال: لا. قالت: لم؟ قال: إنِّي أخشَى أنْ تأخذيهِ فتجعلِيه هكذا -وأدخلَ أصابعَهُ في صدغيهِ- وتمسحِي به عنقَكِ فأصيب فضلًا على المسلمين!!
فهذا مثلٌ مِن ورعِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ واحتياطِه البالغِ لأمرِ دينِه، فقد أبَى على امرأتِه أنْ تتولَّى قسمةَ ذلك الطيبِ حتى لا تمسحَ عنقَهَا منهُ فيكونُ قد أصابَ شيئًا مِن مالِ المسلمين !!!
ومِن هذه الصورِ – أيضًا – أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ جاءَهُ أحدُ الولاةِ، وأخذَ يحدثهُ عن أمورِ المسلمين، وكان الوقتُ ليلًا، وكانوا يستضيئونَ بشمعةٍ بينهمَا، فلمَّا انتهَى الوالِي مِن الحديثِ عن أمورِ المسلمين وبدأَ يسألُ عمرَ عن أحوالِه قال له عمرُ: انتظرْ، فأطفأَ الشمعةَ وقالَ لهُ: الآنَ اسألْ ما بدَا لك، فتعجبَ الوالِي وقال: يا أميرَ المؤمنين لم أطفأتَ الشمعةَ؟! فقال عمرُ: كنتَ تسألُنِي عن أحوالِ المسلمين وكنتُ أستضيءُ بنورِهِم، وأمَّا الآنَ فتسألُنِي عن حالِي فكيفَ أخبرُكَ عنهُ على ضوءٍ مِن مالِ المسلمين؟!!
وجاءُوا له – يومًا – بزكاةِ المسكِ فوضعَ يدَهُ على أنفِه حتى لا يشتمَّ رائحتَهُ – ورعًا عن المالِ العامِّ – فقالُوا يا أميرَ المؤمنينَ إنَّمَا هي رائحةٌ، فقالَ: وهل يستفادُ منهُ إلَّا برائحتِهِ؟!
اللهُ أكبرُ !! فأين هؤلاء؟ وأين مَن نظرَ للمالِ العامِّ بأنَّهُ غنيمةٌ باردةٌ فأخذَ ينهبُ منهَا بغيرِ حسابٍ؟!
انظرْ إلى ذلك وإلى حالِنَا كمَا وصفَهُ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ” (البخاري).
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ المالِ العامِّ
أيُّها الإخوةُ المؤمنون : اعلمُوا أنَّ الأمرَ جد ُّخطيرٍ، إيَّاكُم إيَّاكُم مِن التعدِّي على المالِ العامِّ بجميعِ صورِ التعدِّي، قولُوا لكلِّ مَن أخذَ المالَ العامَّ واستحلَّهُ، أنَّهُ يأتِي بهِ حاملهُ على رقبتِه يومَ القيامةِ، يقولُ تعالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. (آل عمران: 161).
وروى الشيخانِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: ” قام فينَا النبيُّ ﷺ فذكَرَ الغُلولَ، فعظَّمَهُ وعظَّمَ أمرَهُ، قال: ” لا ألفِيَنَّ أحدَكُم يومَ القيامةِ على رَقبتهِ شاةٌ لها ثُغاءٌ، على رَقبتِه فرسٌ لهُ حَمْحَمةٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا؛ قد أبْلَغْتُكَ، وعلى رَقَبتِه بعيرٌ له رُغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُكَ، وعلى رَقَبتِه صامتٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا، قد أبلغتُكَ، أو على رَقَبتِه رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا، قد أبلغتُكَ”.
فمَن غلَّ شاةً جيءَ بهَا يومَ القيامةِ تيعرُ وهي على كتفِه، ومَن غلَّ بعيرًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ وله رُغاءٌ يسمعهُ أهلُ الموقفِ على كتفِه، ومَن غلَّ فرسًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ وله حمحمةٌ، ومَن غلَّ شيئًا قليلًا أو كثيرًا إلّا جُعلَ ناطقًا أمامَهُ، حتى الذهبِ والفضةِ، مَن غلَّ صامتًا، أي: ذهبًا أو فضةً جاءَ بهِ يومَ القيامةِ يحملُهُ!!
إنَّ الكثيرَ منَّا قد تساهلَ في أمرِ المالِ العامِّ تساهلًا عظيمًا في هذا الزمانِ:
أحدُهُم يضعُ هاتفَهُ الجوالَ جانبًا ثم يتكلمُ مِن هاتفِ العملِ في أمورِهِ الشخصيةِ!! وآخرُ يستخدمُ سيارةَ العملِ في قضاءِ حاجياتِه وحاجةِ أولادِه..!! وثالثٌ لا يأبَهُ مِن الخروجِ مبكرًا مِن العملِ بحجةِ أنَّهُ لا يوجدُ تقديرٌ للموظفِ مِن حيثُ الراتبِ أو العلاواتِ فهو ينتقمُ بطريقتِهِ الخاصةِ !! ورابعٌ يستخدمُ حاسوبَ العملِ في طباعةِ أوراقِهِ الخاصةِ !! وخامسٌ يستخدمُ فاكسَ الدائرةِ الحكوميةِ في إرسالِ سيرتِه الذاتيةِ هنَا وهناكَ!! وسادسٌ يحملُ معهُ أقلامَ وأدواتِ العملِ إلى البيتِ ليوزعَهَا على أطفالِه !! وغيُر ذلك مِن صورِ التعدِّي على المالِ العامِّ !! فأينَ نحنُ جميعًا مِن منهجِ سلفِنَا الصالحِ في أعمالِهِم وورعِهِم وتقواهم ؟!!
ألَا فليعلمْ كلُّ مَن أخذَ حقًّا – مِن مالِ أخيهِ أو مالِ الدولةِ ومالِ المسلمينَ ظلمًا – أنَّ اللهَ لن يتركَهُ حتّى يؤدِّي ما عليهِ في الآخرةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ، فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ الله، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُهُ، فَأَما الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ الله فَالشِّرْكُ، قَالَ الله: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ فَظُلْمُ العِباَدِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَتْرُكُهُ الله فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يُدَبِّرُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ”.(عبدالرزاق والبزار بسند حسن).
ألَا فبادرْ بالتوبةِ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لكلِّ مَن أخذَ مالًا خاصًا مِن أخيهِ، أو عامًّا مِن الدولةِ، أنْ يردَّ ما أخذَ مِن مظالمٍ لأهلِهَا، قبلَ أنْ يحملَ مظلمتَهُ على رقبتِهِ في الآخرةِ، ويُفضحَ بها على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقنَا وإيّاكُم الرزقَ الحلالَ ويباركَ لنَا فيهِ، وأنْ يباعدَ بيننَا وبينَ الحرامِ كمَا باعدَ بينَ المشرقِ والمغربِ، وأنْ يحفظَ مصرنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.