يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز اليوم 17 شوال 1445 هـ، الموافق 26 أبريل 2024م، بعنوان ” تطبيقات حسن الخلق”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للدكتور محمد حرز
أولا: حُسنُ الخُلقِ عبادةٌ جليلةٌ.
ثانيا: مواقفُ لحسنِ الخُلقِ مِن السنةِ النبويةِ.
ثالثا: الأخلاقُ الأخلاقُ سبيلُ التقدمِ والرقيِّ أيُّها الأخيارُ.
خطبة الجمعة اليوم للدكتور محمد حرز
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ الْقَلَمِ: 4، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ القائلُ: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَة تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ“( رواه أحمد والترمذي، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
عباد الله:( تطبيقات حسن الخلق) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولا: حُسنُ الخُلقِ عبادةٌ جليلةٌ
أيُّها السادة: خُطْبَةُ الْيَوْمِ عَنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الصَّالِحِينَ الْأَتْقِيَاءِ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ تُنَالُ الدَّرَجَاتُ، وَتُرْفَعُ الْمَقَامَاتُ، خُطْبَتُنَا عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَنا بِهِ الدينُ وتخلّقَ بهَا سيّدُ المرسلين ﷺ، والأخلاقُ الحسنةُ عنوانُ سعادةِ العبدِ وفلاحِهِ، وما استُجلبَ خيرٌ بمثلِ جميلِ الخصالِ ومحاسنِ الفعالِ، وكيفَ لا ؟ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ: مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّكُمْ ﷺ فِي صَلَاتِهِ، حَيْثُ كَانَ يَقُولُ: ( وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِى لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ). وكيف لا؟ المؤمِنُ الحَقُّ يَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أقوَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾. ويَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أفعَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. وكيف لا ؟ وحسنُ الخُلقِ: صفةُ النبيينَ والمرسلينَ والصديقينَ والصالحينَ، ولِمَا لا وهي الغايةُ الأولَي مِن بعثتِهِ ﷺ ففي الحديثِ عن أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ( إنما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ)، فحسنُ الخُلقِ أثقلُ شيءٍ في الميزانِ يومَ القيامةِ، فعنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ) أخرجه أبو داود في سننه، وفي روايةٍ أُخري عنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ )، أي صاحبُ الخُلقِ الحسنِ لهُ أجرُ الصائمِ للهِ والمصلِّي للهِ ربِّ العالمين. بل إذا أردتَ أنْ تحجزَ لنفسِكَ مكانًا بجانبِ النبيِّ المختارِ في جنةِ النعيمِ حَسِّنْ أخلاقَكَ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَة فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:“ أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا ) رواه أحمد في مسنده.
وكيف لا؟ وحسنُ الخُلقِ ثمرةٌ مِن ثمارِ الإيمانِ فلا إيمانَ بدونِ أخلاقٍ، ولا أخلاقَ بدونِ إيمانٍ. بل لا يكونُ المؤمنُ كاملَ الإيمانِ إلّا بحسنِ خُلقِهِ، لذا لمَّا سُئلَ النبيُّ ﷺ عن أكملِ المؤمنينَ إيمانًا ماذا قال؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ” أخرجه أبو داود في سننه
بل قال ﷺ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” متفق عليه ، فكلُّ هذه أخلاقٌ حسنةٌ، مِن إكرامِ الضيفِ، وصلةِ الرحمِ، والقولِ الحسنِ، أو الصمتِ، فالإيمانُ تَجَسَّدَ في أخلاقٍ ومبادئَ وقيمٍ، حتى العباداتِ التي شرعَهَا اللهُ تبارك وتعالي مِن ثمرتِهَا الجانبُ الأخلاقِيُّ، فالصلاةُ مع أنَّهَا صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ، إلَّا أنَّها تنهَى عن الفحشاءِ والمنكرِ، قالَ ربُّنَا: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} سورة العنكبوت (45)، بل حسنُ الخُلقِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ بل هو أكثرُ ما يدخلُ الجنةَ، لحديثِ أبى هريرةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ“ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ:” الْفَمُ وَالْفَرْجُ” أخرجه الترمذي في سننه، فحسنُ الخُلقِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، بل إنَّ صاحبَ الخُلقِ الحسنِ في أعلَي درجاتِ الجنةِ لحديثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ” أخرجه أبو داود في سننه. وكيف لا؟ و حسنُ الخُلقِ يجعلُ الإنسانَ مِن أحبابِ اللهِ، فمَن أنا ومَن أنت؟ لنكونَ مِن أحبابِ اللهِ جلَّ وعلا، فعن أسامةَ بنِ شريكٍ رضي اللهُ عنه قال: كُنَّا جلوسًا عندَ النبيِّ ﷺ كأنَّمَا على رؤوسِنَا الطير، ما يتكلمُ منَّا متكلمٌ إذ جاءَهُ أناسٌ فقالُوا: (مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)، لذا اهتمَّ الصحابةُ بحسنِ الخُلقِ وطلبهِ مِن اللهِ، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي)، لذا نادَي النبيُّ ﷺ قائلًا كما في حديثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)رواه أبو داود وللهِ درُّ القائلِ
صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ*** فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ
أيُّها السادة: انظرُوا إلي فضلِ حسنِ الخُلقِ مِن دخولِ الجنةِ، ومِن ثقلٍ في الميزانِ يومَ القيامةِ، ومِن علاماتِ الإيمانِ، فيجبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أنْ يتحلَّى بحسنِ الخُلقِ لينالَ كلَّ هذه الفضائلِ قبلَ فواتِ الأوانِ؛ لأنّكَ لا تدرِي يا مسكينُ إذا جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلي الفجرِ؟
ثانيا: مواقفُ لحسنِ الخُلقِ مِن السنةِ النبويةِ
أيُّها السادة: كفي بحسنِ الخُلقِ شرفًا وفضلًا أنَّها صفةُ النبيِّ العدنانِ ﷺ فلقد اجتمعَ في النبيِّ ﷺ خصالُ الخيرِ كلُّهَا، مِن حياءٍ وشجاعةٍ وعفةٍ وكرامةٍ وحلمٍ وطهارةٍ. لذا قال اللهُ مُخاطبًا إيَّاه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} سورة القلم، بل لقد أثنَي اللهُ تباركَ وتعالي على نبيِّنَا ﷺ غايةَ الثناءِ، وغايةَ المدحِ فقالَ ربُّنَا: {فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} سورة أل عمران، ولمَّا سُئلتْ السيدةُ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ” رواه أحمد في مسنده. بل قالتْ أُمّنَا عَائِشَةُ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا)، وعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ) رواه البخاري.
أيُّها السادة: حسنُ الخُلقِ يُحبُّ لذاتِهِ فما بالكُم وقد اجتمعَ مع حسنِ الخُلقِ حسنُ الخَلقِ؟ ذلكم هو المصطفَي ﷺ كان أحسنَ الناسِ خُلقًا وخَلْقًا. انظروا إلي خُلقِ النبيِّ ﷺ مع ثمامة بن أثال يقول أبو هُرَيْرَةَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَة بن أَثَال سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، ( أي لا نريدُ منه مالًا ولا جزاءً ولا شكورًا ولا نلزمُهُ بالإسلامِ ولا نكرهُهُ علي الإيمانِ فكُّوا قيدَهُ ) فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ( ليقفَ بينَ يدي النبيِّ بعزةٍ واستعلاءٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ,وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ) رواه مسلم، انظرُوا إلي ثمامةَ بنِ أثالٍ وهو الذي يريدُ قتلَ المصطفَي كيف كان يتعاملُ معه؟ وكيف حوّلَ حسنُ خُلقِ النبيِّ ﷺ ثمامةَ إلى التوحيدِ وإلي الإيمانِ. أي انظرُوا كيف كان النبيُّ المختارُ ﷺ يتعاملُ مع الأسري؟ يقدمُ لهم اللبنَ والطعامَ والشرابَ ليشربَ ثمامةُ، وليأكلَ ثمامةُ. بل لقد حوّلَ الرفقُ والحلمُ وحسنُ الخُلقِ حوَّلَ البغضَ في قلبِ ثمامةَ إلي حُبٍّ فياضٍ، تدبرْ معي هذا الكلامَ، كلماتٌ تُكتَبُ بماءِ العيونِ، (وَاللَّهِ يا رسولَ اللهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَاللَّهِ يا رسول الله مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ يا رسول الله مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ)، اللهُ أكبرُ إنَّهُ الرفقُ، إنَّهُ الحلمُ، إنَّهُ اللينُ، إنَّهُ، حُسنُ خُلقِ النبيِّ المختارِ ﷺ.
وهذا موقفٌ آخرُ: يُبيّنُ لنَا حسنَ خُلقِ النبيِّ ﷺ، روى البخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ أبى هريرةَ – رضي اللهُ عنه –: أنَّ أعرابيًا قامَ في طائفةِ المسجدِ النبويِّ – أي في جانبٍ مِن جوانبِ المسجدِ النبويِّ – في حضرةِ النبيِّ ﷺ وبالَ، فقالَ الصحابةُ: مَهْ مَهْ، وقال الحبيبُ صاحبُ الخُلقِ: ” دعُوهُ لا تذرمُوهُ اتركُوه يكملُ بولَهُ في المسجدِ ” وكمّلَ الرجلُ بولَهُ كأنَّهُ يتبولُ في خلاءِ بيتِهِ، وكأنَّهُ ﷺ يعلمُ أنَّ في انقطاعِ البولِ داءً خطيرًا. باللهِ عليك ماذا تفعلُ لو دخلتَ المسجدَ ووجدتَ طفلًا صغيرًا يبولُ في المسجدِ أو وجدتَ سفيهًا لا يعرفُ شيءً؟ نحن لا ندعُو إلى التسيبِ لكنّنَا نريدُ أنْ نتعاملَ مع الناسِ بحسنِ الخُلقِ ”، دعوهُ لا تذرموهُ اتركوهُ يكملُ بولَهُ “.. يعنِى دعوهُ يكملُ بولَهُ في المسجدِ، ثم نادَي عليهِ رسولُ اللهِ يا أعرابيُّ فقال لهُ: ” إنَّ المساجدَ لا تصلحُ لشيءٍ مِن هذا وإنَّمَا جُعلتْ للصلاةِ ولذكرِ اللهِ ولقراءةِ القرآنِ” متفق عليه، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ” ائتونِي بدلوِ ماءٍ ” فأخذَ الماءَ وصبَّهُ على مكانِ البولِ، فطهرَ المكانَ، وأنهَى الإشكالَ كلَّهُ، فانتفعَ الأعرابيُّ بهذا الحلمِ وبهذا الخُلقِ، وهذه الرحمةِ فدخلَ الصلاةَ. وهذا في غيرِ روايةِ الصحيحينِ وظلَّ يقولُ: اللهُمَّ ارحمنِي ومُحمدًا، ولا ترحمْ معنَا أحدًا، فقالَ لهُ المصطفَى ” لقد تحجَّرتَ واسعًا، قالَ اللهُ: ( ورحمتِي وسعتْ كلَّ شيءٍ) فلماذَا ضيقتَ ما وسّعَ اللهُ؟
وعن أبي هريرةَ: أنَّ أعرابيًّا جاءَ إلى النبيِّ ﷺ يطلبُ منهُ شيئًا، فأعطَاُه، ثُمَّ قال: أحسنتُ إليكَ؟ قال الأعرابِيُّ: ولا أجمَلتَ. فغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، وَقامُوا إِلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَأرْسَلَ إِلَيْهِ ﷺ، وَزَادَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفِي نَفْسِ أَصْحَابِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي صُدُورِهمْ عَلَيْكَ، قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَوِ الْعَشِيُّ جَاءَ، فَقَالَ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ قَالَ مَا قَالَ فَزِدْنَاهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَضِيَ أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعِشِيرَةٍ خَيْرًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَثَلِي وَمَثَلُ هَذَا، مثل رَجُلٍ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَنَادَاهُمْ صَاحِبُهَا: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي، فَإِنِّي أَرْفَقُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ، فَتَوَجَّهَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَأَخَذَ لَهَا مِنْ قُمَامِ الْأَرْضِ، فَرَدَّهَا حَتَّى جَاءَتْ وَاسْتَنَاخَتْ، وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ، فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ). (رواه: البزار، وأبو الشيخ في (الأمثال) وله شواهدُ.
وفي صحيح مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: ” بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَ اللَّهِ: مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ).
إنَّهُ حسنُ الخُلقِ، فما أحوجَ الأمةَ الآنَ أنْ تحوّلَ خُلقَ النبيِّ ﷺ إلى منهجِ حياةٍ، وإلى واقعٍ يتجلَّى سموًّا وروعةً وجلالًا، فما أحوجَ الأمةَ التي تجيدُ الكلامَ والاحتفالاتِ والقصائدَ والأشعارَ – إلى أنْ تحوّلَ خُلقَ النبيِّ المختارِ ﷺ إلى واقعٍ عمليٍّ ومنهجِ حياةٍ، أسألُ اللهَ جلَّ وعلا أنْ يردَّ الأمةَ إليهِ ردًّا جميلًا. واعْلَمُوا أَنَّ خَيْرِيَّةَ الرَّجُلِ لَا تُقَاسُ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ فَحَسْبُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي شِيَمِهِ وَأَخْلَاقِهِ، وَتَعَامُلِهِ مَعَ الْخَلْقِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا». فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَحَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ وَعَامِلُوا النَّاسَ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ، وَأَحِبُّوا لَهُمْ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ، فَفِي الْحَدِيثِ قَالَ ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) ومِن أخلاقهِ ﷺ العفوُ والتسامحُ قالَ جلَّ وعلا: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (199الأعراف). وكيف لا ؟وهو الذي قالَ لقريشٍ: (لا أقولُ لكُم إلَّا كما قالَ أخي يوسفُ لإخوتهِ: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (92يوسف). اذهبُوا فأنتمُ الطلقاءُ)، اللهُ أكبرُ من ذلك حلمُهُ ﷺ مع زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ روى البيهقي في دلائلِ النبوةِ والطبراني عن عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ بسندٍ رجالُهُ ثقاتٌ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ – وهو الحبرُ الكبيرُ مِن أحبارِ يهودٍ – قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَمَحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينَهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى عَلِيٍّ وسألَهُ (هل عندنا شىءٌ من المال؟). فقالَ عليٌّ بنُ أبِى طالبٍ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ لقد نفذَ المالُ كلُّهُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تُبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: «لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أُبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، يقولُ زيدُ بنُ سعنةَ: فأخذهَا النبيُّ كلَّهَا وأعطاهَا لهذا الأعرابيِّ وَقَالَ: « اذهبْ إلى قومِكَ فأغثهُم بهذا المالِ ». فانطلقَ الأعرابيُّ بالمالِ كلِّهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قِبَلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى جِنَازَةٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ دَنَا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ وهزَّ الحبرُ اليهوديُّ رسولَ اللهِ ﷺ هزًّا عنيفًا وهو يقولُ لهُ: أَدِّ ما عليكَ مِن حقٍّ ومِن دَيْنٍ يا محمد! فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلّا مُطلًا في أداءِ الحقوقِ وسدادِ الديونِ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُمَاطَلَتِكُمْ عِلْمٌ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهٍ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وتفعلُ برسولِ اللهِ ﷺ مَا أرىَ؟!! فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا أنِّي أخشى فَوْتَهُ وغضبَهُ لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ بِسَيْفِي هذا، يقولُ زيدُ بنُ سعنَةَ: وأنا أنظرُ إلى النبيِّ ﷺ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، لقد كنت أَنَا وَهُوَ أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا؛ يا عمرُ لقد كان مِن الواجبِ عليكَ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الطلبِ، فبهتَ الحبرُ أمامَ هذه الأخلاقِ الساميةِ، وأمامَ هذه الروحِ الوضيئةِ العاليةِ مِن الحبيبِ المصطفَى بأبِي هو وأمِّي ﷺ. أتدرونَ ماذا قال الحبيبُ صاحبُ الأخلاقِ العظيمةِ؟ التفتَ الحبيبُ إلى عمرَ رضى اللهُ عنه وقال:((اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ، فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ جزاءَ ما روعتَهُ!! ». قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ أُزِيدَكَها جزاءَ ما روعتُكَ!!.فالتفتَ الحبرُ اليهوديُّ إلى عمرَ وقال: ألا أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ، قَالَ عمرُ: حبرُ اليهودِ؟! قال: نعم. فالتفتَ إليهِ عمرُ و قَالَ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ فقال زيدٌ: واللهِ يا ابنَ الخطابِ ما مِن شيءٍ مِن عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ولكنَّنِي لم أختبرْ فيهِ خصلتينِ مِن خصالِ النبوةِ. فقالَ عمرُ: وما همَا؟ قال حبرُ اليهودِ: الأولَى: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، والثانيةُ: لَا تُزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، أمَـا وقد عرفتُهَا اليومَ في رسولِ اللهِ فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ ﷺ. قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي – فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا – صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، فَقَالَ لِي: عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً. تُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ رَحِمَ اللهُ زَيْدًا.
فاقَ النبيينَ في خَلقٍ وفي خُلقٍ *** فلم يدانوهُ في عـلـــمٍ ولا كــــــــــرمٍ
فهو الذي تمَّ معنـــاهُ وصـــــــورتهُ *** ثم اصطفــــــــاهُ حبيبًا بارئُ النسم
فمبلغُ العلمِ فيه أنَّهُ بشــــــــــــــــرٌ *** وأنَّهُ خيرُ خلقِ الله كلّهـم
لكنْ الأخلاقُ الأخلاقُ سبيلُ التقدمِ والرقيِّ أيُّها الأخيارُ !!! أرجئُ الحديثَ عنها إلى ما بعدَ جلسةِ الاستراحةِ أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم …. الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……وبعدُ
ثالثا: الأخلاقُ الأخلاقُ سبيلُ التقدمِ والرقيِّ أيُّها الأخيارُ
أيُّها السادة : بالأخلاقِ انتشرَ الإسلامُ في كلِّ مكانٍ، ووصلَ إلى بلادِ الأندلسِ وبلادِ ما وراءَ النهرِ، وبالأخلاقِ سادَ المسلمونَ العالمَ، وبالأخلاقِ تُبنَي الحضاراتُ، فالأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأممِ والمجتمعاتِ، ومعيارُ فلاحِ الشعوبِ والأفرادِ، وسبيلُ التقدمِ والرقيِّ والازدهارِ ….. وللهِ درُّ القائلِ:
وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم
فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمــًـا وَعَـــــويــــلا
قال يحيى بنُ معاذٍ: حسنُ الخُلقِ حسنةٌ لا تضرُّ معها كثرةُ السيئاتِ، وسوءُ الخُلقِ سيئةٌ لا تنفعُ معهَا كثرةُ الحسناتِ. فلقد أصبحَ في زمنِنَا هذا صنفانِ مِن الناسِ، عابدٌ سيئُ الأخلاقِ، وذو خُلقٍ سيئُ العبادةِ ويقولُ: الدينُ في القلبِ، كلَّا لقد توعدَ اللهُ هذا وذاكَ، فهذا رجلٌ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تتَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ) رواه أحمد.
بل المفلسُ كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ سيئُ الأخلاقِ، ففي صحيحِ مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَدْرُونَ من الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم، فحسِّنْ أخلاقَكَ ولا تلتفتْ للسفهاءِ فتندم، وللهِ درُّ الشافعيِّ:
يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ *** فأكرَهُ أنْ أكونَ له مجيبًا
يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلمًا *** كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيبًا
فاللهَ اللهَ في أخلاقِ الحبيبِ المُصطفَى ﷺ، اللهَ اللهَ في مكارمِ الأخلاقِ، اللهَ اللهَ في التخلقِ بأخلاقِ سيدِ الرجالِ ﷺ.
وللهِ درُّ القائلِ:
تشبهْ بالرجالِ ولو لم تكنْ مثلَهُم *** فإنَّ التشبهَ بالرجالِ فلاحُ
فما بالكُم بالتشبهِ بسيدِ الرجالِ ﷺ.
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.