يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير اليوم 13 شعبان 1445 هـ، الموافق 23 فبراير 2024م، بعنوان ” تحويل القبلة.. دروس وعبر”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
أولا: وسطيةُ الأمة وشهادتها على جميع الأمم.
ثانيا: التسليمُ المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: الترابط بين المسجدِ الحرام والمسجد الأقصى.
رابعا: تحويل حالِنَا مع اللهِ.
خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ، أمَّا بعدُ:
أولًا: وسطيةُ الأمة وشهادتها على جميع الأمم
هذا الدرسُ يتمثلُ في قولِهِ تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[ البقرة : 143]. وهنا إعجازٌ عدديٌّ في هذه الآيةِ الكريمةِ، فعددُ آياتِ سورةِ البقرةِ 286 ÷ 2 = 143 ، هذا هو رقمُ هذه الآيةِ، فكأنَّ الآيةَ نفسَهَا جاءتْ وسطًا، وكفى بها رسالةً للأمةِ لتكونَ وسطًا في كلِّ شيءٍ.
والوسطيةُ هنَا تعنِي الأفضليةَ والخيريةَ والرفعةَ، فالأمةُ وسطٌ في كلِّ شيءٍ، وسطيةٌ شاملةٌ .. فهي وسطٌ في الاعتقادِ والتصورِ، وسطٌ في العلاقاتِ والارتباطاتِ، وسطٌ في أنظمتِهَا ونظمِهَا وتشريعاتِهَا ، وحريٌّ بالمسلمينَ أنْ يعودُوا إلى وسطيتِهِم التي شرفَهُم اللهُ بهَا مِن أولِ يومٍ، وهذه الوسطيةُ أهلتْ هذه الأمةَ ومنحتهَا الشهادةَ على جميعِ الأممِ، وهذه الشهادةُ قسمان: شهادةٌ على نفسِهَا في الدنيا، وشهادةٌ على غيرِهَا في الآخرةِ.
فشهادتُهَا على نفسِهَا في الدنيا: أنْ يشهدَ بعضُهُم على بعضٍ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم ) وفي روايةٍ:” المؤمنونَ بعضُهُم على بعضٍ شهداء، المؤمنونُ شهداءُ اللهِ في أرضِه”؛ فشهادةُ الأمةِ في الدنيا سببٌ في وجوبِ دخولِ الصالحِ الجنة، والطالحِ النار.
أمَّا شهادةُ هذه الأمةِ في الآخرةِ فتكونُ على الأممِ السابقةِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّ نَعَمْ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ ﷺ وَأُمَّتُهُ ، قَالَ : فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ سورة البقرة آية 143 ، قَال : وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ ” ( البخاري). فأمةُ مُحمدٍ ﷺ تشهدُ لنوحٍ وغيرِهِ بأنّهُم بلغُوا ونصحُوا بموجبِ ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ، وكما صرحتْ بذلك رواياتٌ أخرَى للحديثِ.
فعليكَ أن تحسنَ أخلاقَكَ ومعاملاتِكَ مع الناسِ؛ ليشهدُوا لكَ بالصلاحِ والتقوَى عندَ خروجِكَ مِن هذه الدنيا.
ثانيًا: التسليمُ المطلق والانقياد الكامل لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
فالمسلمُ عبدٌ للهِ تعالى، يسلمُ بأحكامِهِ وينقادُ لأوامرِهِ بكلِّ حبٍّ ورضا، ويستجيبُ لذلك، ويسارعُ للامتثالِ بكلِّ ما أوتِيَ مِن قوةٍ وجهدٍ، والصحابةُ الكرامُ ـ رضي اللهُ عنهم ـ في أمرِ تحويلِ القبلةِ، أمرَهُم رسولُ اللهِ ﷺ بالتوجهِ في صلاتِهِم ناحيةَ المسجدِ الأقصَى فتوجهُوا وانقادُوا، ولبثُوا على ذلك مدةَ سنةٍ وبضعةَ شهورٍ، فلمَّا أُمِروا بالتوجهِ ناحيةَ المسجدِ الحرامِ سارعُوا وامتثلُوا، بل إنَّ بعضَهُم لمَّا علمَ بتحويلِ القبلةِ وهُم في صلاتِهِم، تحولُوا وتوجهُوا وهم ركوعٌ إلى القبلةِ الجديدةِ، ولم ينتظرُوا حتى يكملُوا صلاتَهُم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: ” أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُرْآنًا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الكَعْبَةِ “. (البخاري).
لقد تحولوا وهم في هيئةِ الركوعِ مِن قبلةِ بيتِ المقدسِ إلى اتجاهِ البيتِ الحرامِ .. لقد علمُونَا ـ رضي اللهُ عنهم ـ كيف نستقبلُ أوامرَ وتعاليمَ الإسلامِ .. بهذه الثقةِ في النهجِ، وبهذه الثقةِ في القائدِ، قادُوا وسادُوا وساسُوا الدنيا، وإذا كان هؤلاءِ تحولُوا وهم ركوعٌ فأين تحولُكَ الآن؟!! وأين استجابتُكَ لأوامرِ الرحمنِ؟!!!
والتطبيقُ العمليُّ في هذا الدرسِ أنْ تكونَ دائمَ الاستجابةِ والانقيادِ والخضوعِ لأوامرِ اللهِ وأوامرِ رسولِهِ ﷺ في جميعِ مجالاتِ الحياةِ.
فالقرآنُ يأمرُكَ بالصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِ وصلةِ الرحمِ وحسنِ المعاملةِ، وينهاكَ عن الكبائرِ مِن الشركِ والزنا والسرقةِ والقتلِ وغيرِ ذلك مِن المنهياتِ، فهل استجبتَ لأوامرِ اللهِ وانتهيتَ عن نواهيهِ، والقرآنُ يُتلَى عليكَ مِن أكثرَ مِن أربعةَ عشرَ قرنًا مِن الزمانِ
ثالثًا: الترابط بين المسجدِ الحرام والمسجد الأقصى
لقد بُعِثَ الرسولُ في مكةَ، وبها أولُ بيتٍ وُضِعَ للناسِ، ولقد أثبتَ العلمُ الحديثُ أنَّ مكةَ والمسجدَ الحرامَ وسطُ ومركزُ اليابسةِ في العالمِ، ومع ذلك هناك رباطٌ وثيقٌ بينَ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ الأقصَى، حيثُ المسجدُ الأقصَى أولَى القبلتين وثالثُ الحرمينِ، ومسرَى رسولِ اللهِ ﷺ. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَهُ هنا: لماذا أُسرِيَ بالنبيِّ ﷺ مِن المسجدِ الحرامِ إلى بيتِ المقدسِ ليعرجَ بهِ مِن هناكَ ولم يُعرَجْ بهِ مِن المسجدِ الحرامِ مباشرةً مِن حيثُ موطنُه ومبعثُه؟!! أقولُ: ذلك لحكمٍ كثيرةٍ وجليلةٍ تتلخصُ فيمَا يلِي:
* أنّ ذلك كَانَ إظهارًا لصدقِ دعوَى الرَّسُولِ ﷺ حينَ سألتْهُ قريشٌ عن نعتِ بيتِ المقدسِ، فنعتَهُ لهم وأخبرَهُم عن عيرِهِم التي مرّ عليها في طريقِه، ولو كَانَ عروجُهُ إِلَى السماءِ مِن مكةَ لمَا حصلَ ذلك؛ لأنّهُم لا علمَ لهُم بالعالمِ العلويِّ، إذ لا يمكنُ اطلاعهُم عَلَى ما في السماءِ لو أخبرَهُم عنه، لذلك قال لقريشٍ: ” وَآيَةُ ذَلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حِسُّ الدَّابَّةِ، فَنَدَّ لَهُمْ بعير فدللتهم عَلَيْهِ وَأَنا مُتَوَجّه إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِضَجْنَانَ مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا وَلَهُمْ إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطُّوا عَلَيْهِ بشئ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ، ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ عِيرَهُمْ تصوب الْآنَ مِنْ ثَنِيَّةِ التَّنْعِيمِ الْبَيْضَاءِ، يَقَدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ. قَالَ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنَ الْجَمَلِ الَّذِي وَصَفَ لَهُمْ وَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْإِنَاءِ وَعَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرُوهُمْ كَمَا ذَكَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، أَنَّ الشَّمْسَ كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ ذَلِكَ الْعِيرُ، فَدَعَا الله عزوجل فَحَبَسَهَا حَتَّى قَدِمُوا كَمَا وَصَفَ لَهُمْ. قَالَ: فَلَمْ تَحْتَبِسِ الشَّمْسُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ..”(البيهقي، وسيرة ابن كثير).
* الترابطُ بينَ مهبطِ الرسالاتِ: فبيتُ المقدسِ هو مهبطُ النبوةِ قبلَ نبوتِهِ ﷺ، فأنبياءُ بنِي إسرائيلَ بعثُوا في تلك الأرضِ المقدسةِ، وهناك القبلةُ الأولَى التي كَانَ النبيُّ ﷺ وأصحابُهُ يستقبلونَها، إذًا فهناك ربطٌ بينَ هذا النبيِّ الجديدِ وبيئتِهِ وبلدتِهِ الجديدةِ -النبوة الخاتمة- وبينَ مهبطِ النبوةِ السابقةِ لها أيضًا، وفيه إشعارٌ بأنّ هذا النبيَّ ﷺ مكمِّلٌ ومتمِّمٌ لرسالاتِ الأَنْبِيَاءِ قبلَهُ، فهو خاتمُهُم، ولم يأتِ في بابِ التوحيدِ والإيمانِ بجديدٍ عمَّا جاءُوا بهِ في أصَلِ القضيةِ، وإنّمَا دعَا إِلَى ما دعُوا إليهِ.
* إنّ أرضَ فلسطينَ وما حولَها أرضٌ مباركةٌ، بركةٌ حسيةٌ ومعنويةٌ، فيها بيتُ المقدسِ، أولَى القبلتينِ، وثالثُ الحرمينِ، ومسرَى رسولِ اللهِ ﷺ، عاشَ هناك أغلبُ الأنبياءِ، ودُفنَ هناك إبراهيمُ ولوطٌ ويعقوبُ ويحيى وزكريا عليهم السلام، ولقد مدحَهَا اللهُ في القرآنِ الكريمِ في خمسةِ مواضعٍ، وهي أرضٌ إسلاميةٌ صرفةٌ، ليستْ ملكًا لحاكمٍ ولا لشعبٍ، وإنّمَا هي ملكٌ للإسلامِ والمسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وهذا يبيِّنُ واجبنَا نحوهَا ونحو أهلِهَا والمقدساتِ التي على أرضِهَا، وفي الحديثِ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».(البخاري). وفي رواية أحمد: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: ” بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ “. وكل البلاد الإسلامية التي تحيط بها من أكناف بيت المقدس.
فالمسجدُ الأقصَى وما حولَهُ أرضٌ مباركةٌ، وهي ملكٌ لجموعِ الأمةِ الإسلاميةِ، ويجبُ على الجميعِ التكاتفُ في الدفاعِ عن هذه الأماكنِ المقدسةِ. فعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ … “. ( أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه). يقولُ ابنُ عبدِ البرِّ: ” ومعنى قولِهِ ( وهم يدٌ على مًن سواهُم): أنَّ أهلَ الحربِ إذا نزلُوا بمدينةٍ أو قريةٍ مِن قرَى المسلمينَ فواجبٌ على جماعةِ المسلمينَ أنْ يكونُوا يدًا واحدةً على الكفارِ حتى ينصرفُوا عنهُم “. ( الاستذكار ) .
رابعا: تحويل حالنا مع الله
إنّنَا مأمورون بأنْ نقتدِي بنبيِّنَا ﷺ في جميعِ أفعالِه، ولكن هناك أحداثٌ فعلَهَا النبيُّ ﷺ بأمرٍ مِن اللهِ لغايةٍ وحكمةٍ تشريعيةٍ للأمةِ، فلو نظرنَا إلى المناسباتِ الدينيةِ عندَ المسلمين، فإنّكَ ستجدُ – مثلًا – الهجرةَ النبويةَ مِن مكةَ إلى المدينة، وليس معنى ذلك أنَّك ستهاجرُ في كلِّ عامٍ عندَ مرورِ هذه الذكرى عليكَ، وإنّما المطلوبُ منكَ هجرةُ الذنوبِ والمعاصي، وهذا ما أكدَهُ الرسولُ ﷺ بقولِه:” لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ ” ( البخاري ومسلم)؛ وهكذا في بقيةِ المناسباتِ الدينيةِ!!
والتطبيقُ العمليُّ في هذا الدرسِ مِن هذه المناسبةِ ( تحويلِ القبلةِ ) هو : تحويلُ حالِنَا مع اللهِ، تحويلُ حالِنَا مِن العقائدِ المنحرفةِ والخرافاتِ الضالةِ والشعاراتِ الخادعةِ إلى العقيدةِ السليمةِ المستقيمةِ.
تحويلُ حالِنَا مِن ارتكابِ المعاصِي والمسكراتِ والمخدراتِ والجرائمِ والفجورِ إلى العبادةِ والطاعةِ والعملِ ليومِ النشورِ.
تحويلُ حالِنَا مِن الكسلِ والخمولِ والتسكعِ إلي السعيِ والكسبِ والاجتهادِ وابتغاءِ الرزقِ.
تحويلُ حالِنَا مِن الظلمِ والقهرِ والاستبدادِ، إلى العدلِ والحريةِ والمساواةِ.
تحويلُ حالِنَا مِن التشرذمِ والتحزبِ والتشتتِ والاختلافِ إلى الوحدةِ والاتحادِ والاعتصامِ والائتلافِ.
تحويلُ حالِنَا مِن الحقدِ والغلِّ والحسدِ والبغصاءِ لبعضِنَا البعض، إلى الحبِّ والنقاءِ والإيثارِ والإخاءِ والتراحمِ فيمَا بينَنَا، ولا سيّمَا ونحن مقبلون على شهرٍ كريمٍ، وقد سُئلَ ابنُ مسعودٍ: كيف كنتم تستقبلونَ رمضان ؟ قال : ما كان أحدُنَا يجرؤُ على استقبالِ الهلالِ وفي قلبِهِ ذرةُ حقدٍ على أخيهِ المسلمِ”.
وبالجملةِ تغييرٌ وتحويلٌ شاملٌ جمعَهُ اللهُ في قولِهِ:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }( الرعد:11)،{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}( الأعراف: 96)
أفيقُوا يا أيُّها المسلمون….ألَا فلنتحولْ كما تحولَ الصحابةُ في حادثِ تحويلِ القبلةِ. نتحولُ بكلِّ قوةٍ وثقةٍ ورشاقةٍ إلى منهجِ الإسلامِ بكلياتِه وجزئياتِه، كما تحولَ الغرُّ الميامين وهم ركوعٌ ..ولا تقلْ بعدَ شهرٍ !! في أولِ رمضان!! بعدَ الامتحانِ!!! بعدَ الزواجِ!!! بعدَ بعدَ بعدَ!!! فقد تأتيكَ المنيةُ وأنتَ على معصيةِ اللهِ فتحشر عليهَا!!
أحبتي في الله: حين تؤمنُ بأنَّ اللهَ قادرٌ على تحويلِ حالكَ مِن حالٍ إلى حالٍ ستعيشُ وأنت مستغنِي عن الدنيا وما فيها؛ انظر كيف حالُكَ مع اللهِ ؟؟ أمَا زلتَ تحبُّ الدنيا ؟!!.. أمَا زلتَ تحبُّ الشهواتِ ؟!!.. أمَا زلتَ ترتكبُ المنكرات؟!!..أم أنّك تحبُّ اللهَ .. وتحبُّ كلامَهُ .. تحرّمُ حرامَهُ وتُحلُّ حلالَهُ!!! وليكنْ هذا السؤالُ يترددُ في داخلِكَ دومًا .. في كلِّ وقتٍ وحينٍ ..كيـف حالُكَ يا قلبِي مع اللهِ ؟؟ هل أنت مستعدٌّ للموتِ اليومَ على حالِكَ هذه ؟؟ ..بل الساعة .. بل هذه اللحظة … الآنَ الآنَ الآنَ ..تلك همساتٌ أوجهُهَا لي قبلَ أنْ أكتبَهَا…. لكن ..لنقفْ مع أنفسِنَا دومًا .. ولنحاسبْ أنفسَنَا قبلَ الحسابِ!!
نسألُ اللهَ أنْ يردَّ المسلمين إلى دينِه ردًّا جميلًا، وأنْ يُحَوِّلَ قلوبَهُم وأجسامَهُم وكلَّ جوارحِهِم نحو طاعتِه، إنّهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ وبالإجابةِ جديرٌ وهو حسبُنَا ونعمَ الوكيل.