يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور محمد محرز اليوم 12 رمضان 1445 هـ، الموافق 22 مارس 2024م، بعنوان ” رمضان شهر الانتصارات”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للدكتور محمد حرز
أولا: رمضانُ شهرٌ عظيمٌ مِن ربٍّ عظيمٍ سبحانَهُ.
ثانيا: بطولاتٌ سجلَهَا التاريخُ بحروفٍ مِن ذهبٍ في رمضانَ.
ثالثا: أعظمُ انتصارٍ للصائمِ في رمضانَ.
خطبة الجمعة اليوم للدكتور محمد حرز
الحمدُ للهِ الذي فرضَ على عبادهِ الصيامَ.. وجعلَهُ مُطهرًا لنفوسِهِم مِن الذنوبِ والآثامِ..الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ ..والساعاتِ والأيامَ .. وفاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ .. وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ البقرة185، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ، وبكَى مِن خشيةِ ربِّهِ حينَ قامَ، القائلُ كمَا في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران :102)
عباد الله:( رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولا: رمضانُ شهرٌ عظيمٌ مِن ربٍّ عظيمٍ سبحانَهُ
أيُّها السادةُ: رمضانُ شهرُ الصبرِ والمصابرةِ، والجهادِ والمجاهدةِ، والفتوحاتِ والانتصاراتِ، والجدِّ والعملِ لكنْ للأسفِ تجد الكثيرَ مِن المسلمين إذا دخلَ رمضانُ اتخذوهُ فرصةً للراحةِ والكسلِ والخمولِ والنومِ، فتجدُهُم يقضونَ ليلَهُم في السهرِ الذي قد يكونُ أحيانًا على ما يغضبُ اللهَ مِن النظرِ إلى فضائياتِ الشرِّ وتدميرِ الفضيلةِ، أو النظرِ إلى المقاطعِ الخبيثةِ، أو اللعبِ بتلكَ الألعابِ التي فيها القمارُ وما أشبهَ ذلك، ويقضون نهارَهُم في النومِ وتضييعِ الصلواتِ، وإهدارِ الأوقاتِ، ويستدلوا على جوازِ فعلِهِم بقولِهِ: (نومُ الصائمِ عبادةٌ) باللهِ عليكُم أيكونُ تضييعُ الصلواتِ عبادةٌ، كيف انقلبتْ الموازينُ؟ باللهِ عليكُم هل شرعَ اللهُ الصومَ للنومِ والكسلِ والخمولِ ؟ لا وربِّ الكعبةِ رمضانُ نفحةٌ مِن نفحاتِ الرحمنِ، رمضانُ فرصةٌ للطاعاتِ والعباداتِ، رمضانُ فرصةٌ للعملِ والجدِّ والإتقانِ، فالإسلامُ دينُ العملِ والاجتهادِ، دينُ النشاطِ والحيويةِ، دينُ الريادةِ والعطاءِ، دينُ السعيِ في الأرضِ بحثًا عن الرزقِ وطلبًا للحلالِ ليس دينَ الكسلِ والخمولِ خاصةً في رمضانَ، قالَ ربُّنَا :﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾التوبة:105 ؛ والمسلمُ ما خُلِقَ ليكونَ عالةً، ولا ليكونَ نكرةً في الحياةِ، ولا ليكونَ عطَّالاً بطالاً، بل خُلقَ للعبادةِ والعملِ، خُلقَ للإنتاجِ والإنجازِ خُلقَ للسعيِ والعطاءِ، قالُ اللهُ في حقِّ المسلمِ))وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين(((فصلت: 33.المسلمُ هو العابدُ في مسجدهِ، والتاجرُ في سوقهِ، والبنّاءُ في أرضهِ، والمزارعُ في بستانهِ، يملأُ الأرضَ عبادةً للهِ وعمارةً لأرضهِ، فهو كالغيثِ حيثمَا وقعَ نفع، يعملُ لأخرتهِ كأنَّهُ سيموتُ غدًا، ويعملُ لدنياهُ كأنَّهُ يعيشُ أبدًا، والعملُ شرفٌ، والعملُ سرُّ البقاءِ وروحُ النماءِ وأساسُ البناءِ قالَ جلَّ وعلا: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(الملك: 15(
شهرُ رمضانَ تزيدُ فيهِ الأرزاقُ، شهرٌ تكثرُ فيهِ الخيراتُ والبركاتُ، شهرُ المغفرةِ والرضوانِ والعتقِ مِن النيرانِ فيالَهُ مِن شهرٍ عظيمٍ مِن ربٍّ عظيمٍ جلَّ شأنُهُ وتقدستْ أسماؤهُ، شهرٌ حباهُ اللهُ بخيراتٍ عديدةٍ وميزاتٍ وفيرةٍ فهنيئًا لِمَن صامَ وقامَ وتابَ وأنابَ واستغفرَ وغفرَ وصلَّى وتصدّقَ، وأطعمَ وسقَى، وأفرحَ وأسعدَ، وبكَى مِن خشيةِ ربِّهِ وندمَ، شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الْفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِيَّة، شَهْرٌ لِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَعِزَّةِ الْمُسْلِمِينَ، شَهْرٌ لِلْقُوَّةِ وَالنَّشَاطِ، وَلَيْسَ لِلتَّكَاسُلِ وَالْخُمُولِ. ولا يمكنُ أنْ نتناسَى أنَّ المرءَ يثابُ على قدرِ المشقةِ، بمعنَى أنَّهُ كلمَا زادتْ المشقةُ كان الأجرُ أكبر، فمِن الضرورِي أنْ يعرفَ المسلمُ أنَّ رمضانَ لا يعنِي البطالةَ والتكاسلَ والتواكلَ بل مِن المفترضِ أنْ يكونَ شهرَ عطاءٍ. فالعبادةُ والعملُ في الإسلامِ صنوانٌ لا يفترقانِ وقيمتانِ متلازمتانِ ، فالعبادةُ عملٌ يسعَى بهِ المسلمُ إلى إرضاءِ ربِّهِ، وكذا العملُ عبادةٌ في غيرِ أوقاتِ العبادةِ. وللهِ درُّ القائلِ
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَن طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
ثانيا: بطولاتٌ سجلَهَا التاريخُ بحروفٍ مِن ذهبٍ في رمضانَ
أيُّها السادةُ: لم يكنْ شهرُ رمضانَ عندَ سلفِنَا الصالحِ شهرَ النومِ، والكسلِ، بل كان شهرَ جهادٍ، ومجاهدةٍ، ودعوةٍ، وعملٍ، رمضانُ شهرٌ ضحَّى فيهِ المسلمونَ بأنفسِهِم، وأموالِهِم، ووقتِهِم، وصحتِهِم، ولكُم أنْ تسألُوا التاريخَ عن الأمجادِ التي تحققتْ في هذا الشهرِ العظيمِ؛ لأنَّ الأمةَ التي لا تقرأُ تاريخَهَا لا يمكنُ أنْ تعرفَ حاضرَهَا، ولا أنْ تخططَ لمستقبلَهَا، والمتأملُ في أحداثِ شهرِ رمضانَ عبرَ التاريخِ الإسلامِي سيجدُ أمورًا عجيبةً، هذه الأمورُ ليست مصادفةً، وكلُّ شيءٍ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمقدارٍ، سيجدُ أنَّ المسلمينَ ينتقلونَ كثيرًا مِن مرحلةٍ إلى مرحلةٍ أخرَى في شهرِ رمضانَ، مِن ضعفٍ إلى قوةٍ، ومِن ذلٍّ إلى عزَّةٍ.
في شهرِ رمضانَ حققَ المسلمونَ عدةَ انتصاراتٍ كانتْ بمثابةِ المحطةِ الفارقةِ والنقطةِ الفاصلةِ في حياةِ الأمةِ الإسلاميةِ، وأُولَى هذه الانتصاراتِ كانت يومَ الفرقانِ يومَ التقى الجمعانِ، يومَ بدرٍ، في العامِ الثانِي مِن الهجرةِ، عندمَا التقتْ الفئةُ المؤمنةُ جندَ الرحمنِ، مع جندِ الشيطانِ الفئةِ الكافرةِ، وقد تراءتْ الفئتانٍ مِن أولِ صدامٍ بينَ الحقِّ والباطلِ والإيمانِ والكفرانِ، ويتنزلُ نصرُ اللهِ عزَّ وجلَّ على المؤمنين، ليكونَ أعظمَ انتصاراتِ الإسلامِ. ففي غزوةِ بدرٍ أيُّها السادةُ تحولتْ فيها الأمةُ مِن الضعفِ إلى القوةِ، ومِن الذلِّ إلى العزةِ، ومِن رعاةٍ للإبلِ إلى زعماءَ وقادةٍ للبشرِ، وارتفعتْ فيها راياتُ المسلمينَ عاليةً خفاقةً، غزوةٌ غيَّرتْ مجرَى التاريخِ، غزوةٌ أَرْستْ دعائمَ الأمنِ والاستقرارِ فِي الأمةِ الإسلاميةِ، وما مِنْ معركةٍ مِن المعاركِ، ولا مِن غزوةٍ مِن الغزواتِ خاضَهَا المسلمونَ في هذا الشهرِ المباركِ، إلّا ونصرَهُم اللهُ على أعدائِهِم، ولم تأتِ هذه الانتصاراتُ إلَّا بعدَ أنْ تمسكُوا بشرعِ ربِّهِم القويمِ، وبكتابِهِ الحكيمِ، وبسنةِ رسولِهِ الكريمِ ﷺ. وسُميَتْ بغزوةِ الفرقانِ التي فرقتْ بينَ الكفرِ والإيمانِ، بينَ الحقِّ والباطلِ، والنصرُ في البدايةِ والنهايةِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، والقلةُ والكثرةُ لا علاقةَ لها بالنصرِ، فالنصرُ مِن عندِ اللهِ تعالى العزيزِ الحكيمِ، قالَ ربُّنَا: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ (آل عمران: 126)، قال جلَّ وعلا: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ…. وأنتم ماذا؟ {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123] . (يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)(الأنفال:41) فالتقى جيشُ التوحيدِ بقيادةِ مُحمدٍ ﷺ وجبريلَ ومَن معهُ مِن الملائكةِ المؤيدين، مع جيشِ الكفرِ والشركِ بقيادةِ إبليسَ وأبِي جهلٍ، التقوا هناكَ حيثُ وقعتْ أحداثُ غزوةِ بدرٍ، فلقد تغيّرَ المسلمونَ تمامًا بعدَ موقعةِ بدرٍ، فبعدَ بدرٍ أصبحتْ للمسلمينَ دولةٌ، أصبحتْ لهم شوكةٌ قويةٌ ومكانةٌ رفيعةٌ ووضعٌ مستقرٌّ، انتقلَ المسلمون إلى مرحلةٍ جديدةٍ، العالمُ كلُّهُ سمعَ عن هذه الدولةِ، المشركون انهزموا، واليهودُ رعبوا، والمنافقون ظهرُوا وسجلَ التاريخُ ملحمةً مِن أعظمِ الملاحمِ وبطولاتٍ مِن أشرفِ البطولاتِ على مرِّ التاريخِ والأجيالِ وكانت نصرًا مؤزرًا.
وفي رمضانَ مِن العامِ الثامنِ مِن الهجرةِ كانت محطةً فارقةً ونقطةً فاصلةً في حياةِ الأمةِ، عندما فتحتْ جيوشُ الصحابةِ بقيادةِ الرسولِ ﷺ مكةَ، وأعلنوا سقوطَ عاصمةِ الشركِ والاستكبارِ الجاهلِي التي طالَمَا استغلَّ المشركون منزلتَهَا وفضلهَا في التحريضِ ضدَّ الإسلامِ والمسلمين، وأعلنوا تحريرَ بلدِ اللهِ الحرامِ مِن أدرانِ الشركِ والأوثانِ، لتبدأَ مرحلةٌ جديدةٌ في حياةِ الأمةِ اتحدتْ فيها بلادُ الحرمينِ، الأصلُ والمهجرُ، وأعلنَ عن قيامِ الدولةِ الإسلاميةِ على حدودٍ جديدةٍ.
ففي الشهرِ نفسِهِ وفي رمضان يا سادةٌ بعثَ الرسولُ ﷺ خالدَ بنَ الوليدِ، ليهدمَ صنمَ العُزى، فهدمَهُ، وفي الشهرِ نفسِهِ بعثَ صلَّى اللهُ عليه وسلم عمرَو بنَ العاصِ ليهدمَ صنمَ سواعٍ، فهدمَهُ، وفي الشهرِ نفسهِ بعثَ ﷺ سعدَ بنَ زيدٍ ليهدمَ صنمَ منافٍ، فهدمَهُ…ما هذا؟ أمعقولٌ كلُّ هذا في شهرٍ واحدٍ؟ في شهرِ رمضانَ تقعُ كلُّ هذه الأصنامِ؟ إنّهُ شهرُ العزةِ والكرامةِ والنصرِ والفتحِ والقوةِ والغلبةِ للإسلامِ والمسلمين ..
وفِي رمضانَ كانتْ معركةُ القادسيةِ بقيادةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وفِي رمضانَ فُتِحَتْ بِلادُ الْأَنْدَلُسِ عَلَى يَدِ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ، وفِي رمضانَ وَقَعَتْ مَعْرَكَةُ حِطِّينَ والتي اسْتَرَدَّ فيها المسلمون بَيْتَ المقدسِ، وفِي رمضانَ انتصرَ السلمون بقيادةِ سيفِ الدينِ قُطُز على التَّتَارِ في معركةِ عين جالوت ، وفي رمضانَ فُتحتْ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ على يدِ مُحمدٍ الفاتحِ.
اقرأ أيضاً
«رمضان شهر الانتصارات».. نص خطبة ثاني جمعة في رمضان 2024
وفي 10 رمضان 1363هـ (6 أكتوبر 1973م)، عبرَ الجيشُ المصريُّ قناةَ السويسِ وحطّمَ خطَّ بارليف، وألحقَ الهزيمةَ بالقواتِ الصهيونيةِ، في يومٍ مِن أيامِ العربِ الخالدةِ التي سطرَهَا التاريخُ في أنصعِ صفحاتِه بأحرفٍ مِن نورٍ، ففي هذا اليومِ وقفَ التاريخُ يسجلُ مواقفَ أبطالِ حربِ أكتوبر الذين تدفَّقوا كالسيلِ العرمِ يستردونَ أرضَهُم، ويستعيدونَ كرامتَهُم ومجدَهُم، فهم الذين دافعوا عن أرضهِم وكافحوا في سبيلِ تطهيرِهَا وإعزازِهَا، فبعدَ أنْ احتلَّ اليهودُ سيناءَ الحبيبةَ والجولانَ والضفةَ والقدسَ وغزةَ في 5 يونيو 1967م، أخذوا يتغنونَ بأسطورةِ جيشهِم الذي لا يُقهَر، لكنّ مصرَ نجحتْ بفضلِ اللهِ في إعادةِ بناءِ جيشِهَا وجهزتْهُ بالعتادِ وخيرةِ جنودِ الأرضِ، وبالتخطيطِ الجيدِ مع أشقائِهَا العربِ وبإرادةٍ صلبةٍ قويّةٍ وإيمانٍ قويٍّ عظيمٍ وبخطةٍ دقيقةٍ محكمةٍ فاجأتْ إسرائيلَ والعالمَ كلَّهُ في الساعةِ الثانيةِ بعدَ الظهرِ، وانطلقتْ أكثرُ مِن 220 طائرةٍ تدكُّ خطَّ بارليف الحصين ومطاراتِ العدوِّ ومراكزَ سيطرتِه، وفي نفسِ الوقتِ سقطتْ أكثرُ مِن عشرةِ آلافٍ وخمسمائةِ دانةٍ، وتعالتْ صيحاتُ: اللهُ أكبرُ، وتَمَّ عبورُ القناةِ واقتحامُ حصونِ العدوِّ وتحطيمهَا واندحرَ العدوُّ، وهُزمَ شرَّ هزيمةٍ، ورجعتْ أرضُ سيناءَ كاملةٍ بعدَ ذلك نتيجةً لهذه الحربِ المجيدةِ، في هذا الشهرِ العظيمِ، شهرِ عزةِ المسلمين والذلةِ لأعداءِ الحقِّ أعداءِ الدينِ.
ولا ننسَى أيُّها الأخيارُ إخواننَا في فلسطينَ وفي غزةَ في حاجةٍ إلى دعواتِنَا بالليلِ والنهارِ والوقوفِ بجانبِ دولتِنَا في مساعدتِهِم بالطعامِ والشرابِ والدواءِ والكساءِ كلّ في حدودِ قدراتِهِ وإمكانياتِه، ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا )، وخاصة وأَنَّ جَمِيعَ المُسلِمِينَ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِخوَةٌ، اللهُ جلَّ وعلا هو الَّذِي رَبَطَ بَينَهُم بِرِبَاطِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ، قَالَ جلَّ وعلا: ( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ ) وَقَالَ المصطفَى ﷺ: ( المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ؛ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ )، وفي الصحيحين مِن حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ أنَّ البشيرَ النذيرَ ﷺ قال: ( مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ؛ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى ). ويَقُولُ اللهُ سُبْحَانَه: { وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض}، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، وخاصةً وأنَّ أحداثَ غزةَ لا تزالُ تُألمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا لمِن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، مِن قتلٍ للأطفالِ وسفكٍ للدماءِ وقتلٍ للنساءِ والشيوخِ وهدمٍ للمساجدِ والكنائسِ والمستشفياتِ، وتجوع الناس فأين مَن يتغنونَ بحقوقِ الإنسانِ بالليلِ والنهارِ؟ أين مَن صدَّعُوا رؤوسَنَا بالحرياتِ وحقِّ الحياةِ؟ أين مَن صدعونَا بالرفقِ بالحيوانِ فأين الرفقُ بالأطفالِ في غزةَ. وأين المنظماتُ العالميةُ مِن سفكِ الدماءِ؟ وللهِ درُّ القائلِ
أطفالُنَا على احلامِهِم نامُوا*** وعلى لهيبِ القاذفاتِ أفاقُوا
أطفالُنَا قُتلِوا في بيوتِهِم ***والعالمُ كلُّهُ خسةٌ وخيانةٌ ونفاقُ
فرمضانُ شهرُ الانتصاراتِ ،شهرُ عزةِ المسلمين، والذلةِ لأعداءِ الحقِّ أعداءِ الدينِ، فرمضانُ ليس شهرَ كسلٍ وخمولٍ ونومٍ إنَّما شهرُ جهادٍ وعبادةٍ، شهرُ عملٍ وإتقانٍ، شهرُ الخيرِ والبركاتِ، شهرُ النفحاتِ والرحماتِ، شهرُ المغفرةِ والرحماتِ. شهرُ العتقِ مِن النيرانِ . .. وحتى تكونَ أشهرُ رمضانَ المقبلةُ كتلكَ الماضيةِ بسجلاتِهَا الذهبيةِ لا بُدَّ لنَا مِن الاعتصامِ بحبلِ اللهِ؛ لأنّ قوتنَا في اعتصامِنَا بحبلِ اللهِ المتين. ولنقرأْ قولَهُ تعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية 160]. والمتأملُ لحركةِ المدِّ والجَزرِ في تاريخِ الأمةِ لا يعتريهِ شكٌّ أنَّ الأمةَ اليومَ تمرُّ بأصعبِ أيامِهَا، وأشدِّ أحوالِهَا، كيف لا؟ وقد نزلتْ بهَا النكباتُ، وحلتْ بهَا الكوارثُ والأزماتُ؟! علمًا بأنَّ أعدادَ المسلمين كثيرةٌ، ولكنّهُم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، والسببُ أنَّهُم هجرُوا ظهورَ الخيلِ، وأخذُوا بأذنابِ البقرِ، وواللهِ لن ينجُوا مِمَّا أصابَهُم إلّا بإقبالِهِم على ربِّهِم، ورجوعهِم إلى دينِهِم، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، يقولُ اللهُ – تعالى- في بيانِ المستحقينَ للنصرِ: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ))[سورة الحج:41] والنصرُ – كما هو معلومٌ – إنّمَا ينزلُ – بإذنِ اللهِ تعالى – وفقَ سننٍ وقوانينَ مضبوطةٍ كسيرِ الشمسِ في رباعةِ النهارِ، فيجبُ علينَا أنْ نأخذَ بأسبابِ النصرِ، وسننِهِ؛ للخروجِ مِن مآسِي اليوم، وتحقيقِ آمالِ الغد.
قصدتُ بابَ الرجاءِ والناسُ قد رقدُوا*** وقمتُ أشكُو إلى مولايَ مـا أجـدُ
وقلتُ يـا أملِـى في كـلِّ نائبـةٍ يا *** مَن عليهِ لكشـفِ الضـرِّ أعتمـدُ
أشكُو إليـكَ أمـورًا أنـتَ تعلمُهَـا *** ما لي على حملِهَا صبـرٌ ولا جلـدُ
مــددتُ يدِي بـالـذلِّ مفـتـقـرًا *** يـا خيرَ مـَن مـددتْ إليـهِ يــدُ
فـلا تردنـَّهَـا يـا ربِّـى خائـبـةً *** فبحرُ جودِكَ يروى كلَّ مَـن يـردُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
ثالثا: أعظمُ انتصارٍ للصائمِ في رمضانَ
أيُّها السادةُ الأخيارُ: عندما يُذكرُ الانتصارُ في رمضانَ ينصرفُ الذهنُ مباشرةً إلى الانتصاراتِ العسكريةِ التي حققهَا المسلمون على أعدائِهِم في هذا الشهرِ، وهذا حقٌّ، ولكنْ مجالاتُ الانتصارِ في رمضانَ بالنسبةِ للمؤمنِ لا تقتصرُ على هذا الجانبِ فقط، بل منها ومِن أعظمِهَا الانتصارُ على النفسِ، ومجاهدتُهَا والارتقاءُ بها في مدارجِ الطاعاتِ.
والانتصارُ على النفسِ وشهواتِهَا ولذاتِهَا: نعمْ انتصرَ الإنسانُ في رمضانَ على شهوةِ الطعامِ والجماعِ بالنهارِ وابتعدَ عن الذنوبِ والمعاصِي والآثامِ فعن أبي هريرةَ –رضي اللهُ عنه–، عن النبيِّ ﷺ قال: ((يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: يدع شهوتَهُ وطعامَهُ مِن أجلِي)) متفقٌ عليه، أليسَ نبيُّ الإسلامِ ﷺ هو القائلُ كما في البخارِي من حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه ((مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ)). أليسَ نبيُّ الإسلامِ ﷺ هو القائلُ كما في الصحيحين مِن حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه: ((الصيامُ جنةٌ فإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يرفثْ ولا يصخبْ، فإنْ سابَّهُ أحدٌ أو قاتلَهُ، فليقلْ إنِّي امرؤٌ صائمٌ)).فالصيامُ مدرسةٌ لتهذيبِ النفسِ وتربيتِهَا ,ومدرسةٌ للتربيةِ على كلِّ خلقٍ طيبٍ وجميلٍ.
ومِن ذلك اغتنامُ الأجواءِ الروحانيةِ التي يصنعُهَا رمضانُ بنفحاتِه، ورحماتِه، وجوائزِه، ومآثرِه التي يغدقُهَا المولَى فيهِ على عبادِهِ المؤمنين الصائمين، فرمضانُ شهرُ الصبرِ والتقوى، وبالصبرِ والتقوَى يحققُ العبدُ أولَى درجاتِ النصرِ الكبرَى وأسبابِه، قالَ اللهُ تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [سورة آل عمران:120]. فإذا صبرتْ الأمةُ، واتقتْ اللهَ، وقّاهَا شرَّ عدوِّهَا، ودافعَ عنهَا، قال جلَّ وعلا: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )[سورة الحج:38].
ومِن جملةِ هذه الانتصاراتِ :التي ينبغِي للمسلمِ السعيُ في تحصيلِهَا في شهرِ رمضانَ:- الانتصارُ على الرياءِ فرمضانُ شهرُ الإخلاصِ بلا منازعٍ، وقد توفرتْ كلُّ عواملِ النجاحِ للمؤمنِ فيه على كلِّ دواعِي الرياءِ وأسبابهِ، وتنميةِ عنصرِ المراقبةِ والتجردِ للهِ عزَّ وجلَّ لديهِ، فامتناعُ الصائمِ عن الطعامِ والشرابِ والشهواتِ الماديةٍ والمعنويةِ طيلةَ يومهِ، استجابةً لأمرِ ربِّهِ هو عينُ الإخلاصِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وِاحتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ) متفقٌ عليه
ومِن جملةِ هذه الانتصاراتِ: الانتصارُ على الشحِّ والبخلِ: إنَّ التخلصَ مِن داءِ الشحِّ والبخلِ، وتطهيرُ النفسِ منهما، والذي عدّهُ رسولُ اللهِ ﷺ مِن المهلكاتِ، والمتسببِ في كثيرٍ مِن الموبقاتِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال:((واتَّقُوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ)) رواه مسلم . فالصيامُ مدرسةٌ يتعودُ فيها العبدُ على السخاءِ، وإطلاقِ اليدِ بالعطاءِ، ويتعمقُ لديهِ الشعورُ بمعاناةِ المحرومين. وسُئِلَ بعضُ السلفِ: لمَ شُرعَ الصيامٌ؟ قال: ليذوقَ الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسَى الجائعَ.
ومِن جملةِ هذه الانتصاراتِ :الانتصارُ على اللسانِ وآفاتهِ: فالصيامُ يا سادةٌ لم يُشرعْ لمجردِ تركِ الأكلِ والشربِ والشهوةِ وإنَّما شُرعَ مِن أجلِ تحقيقِ تقوى اللهِ بتركِ الكذبِ والفحشِ والبذاءةِ وحفظِ اللسانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ، أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ، فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) متفق عليه. قال ابنُ القيمِ: إنَّ العبدَ ليأتِي يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ الجبالِ، فيجدُ لسانَهُ قد هدمَهَا عليه كلَّهَا، ويأتِي بسيئاتٍ أمثالِ الجبالِ فيجدُ لسانَهُ قد هدمَهَا مِن كثرةِ ذكرِ اللهِ. قالَ بعضُ السلفِ: أهونُ الصيامِ تركُ الشرابِ والطعامِ.
فمِن العجيبِ أيُّها الأخيارُ أنْ يصومَ المسلمُ عن الأكلِ والشربِ والجماعِ مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ ولا يصومُ عن أكلِ الحرامِ ولا يصومُ عن أكلِ حقوقِ الناسِ …. مالكُم كيفَ تحكمون ؟ فمِن العجيبِ أيُّها الأخيارُ أنْ يصومَ المسلمُ عن الأكلِ والشربِ والجماعِ مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ ولا يصومُ عن أكلِ الرشوةِ والربا …. مالكُم كيفَ تحكمون ؟ فمِن العجيبِ أيُّها الأخيارُ أنْ يصومَ المسلمُ عن الأكلِ والشربِ والجماعِ مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ ولا يصومُ عن الغيبةِ والنميمةِ وقولِ الزورِ وشهادةِ الزورِ والكذبِ …. مالكُم كيفَ تحكمُون ؟ فمِن العجيبِ أيُّها الأخيارُ أنْ يصومَ المسلمُ عن الأكلِ والشربِ والجماعِ مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ ولا يصومُ عن تتبعِ عوراتِ الناسِ والاستهزاءِ بهِم بالليلِ والنهارِ…. مالكُم كيفَ تحكمون ؟فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ باغتنامِ أيامِ الرحماتِ أيامِ النفحاتِ أيامِ العتقِ مِن النيرانِ بالطاعاتِ والقراباتِ وبحسنِ الأخلاقِ والإحسانِ إلى الناسِ في كلِّ مكانٍ. فالبدارَ البدارَ بالجدِّ والعملِ والبعدِ عن الكسلِ والخمولِ لرفعةِ دولتِنَا ورفعِ رايتِهَا في كلِّ مكانٍ. فالبدارَ البدارَ بالانتصار على النفس وشهواتها . للهِ درُّ القائلِ:
إِنِّي بُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا … إِلا لأَجْلِ شَقَاوَتِي وَعَنَائِي
إِبلَيْسَ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى … كَيْفَ الْخَلاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي
نسألُ اللهَ العظيمَ ربّ العرشِ العظيمِ أنْ يتقبلَ منَّا صيامَنَا وقيامَنَا وصلاتَنَا وزكاتَنَا وأنْ يحفظَ مِصْرَنَا مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ إنَّهُ ولىُّ ذلك ومولاه.