يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير اليوم 20 جمادي الآخرة 1445 هـ، الموافق 2 فبراير 2024م، بعنوان ” من دروس الإسراء والمعراج الفرج بعد الشدة”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
أولا: رحلةُ الإسراء والمعراج فرج بعد شدةٍ.
ثانيا: الفرج بعد الشدة قصص وعبر.
ثالثا: إنّ مع العسر يسرًا ومع الشدةِ فرجًا.
خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ، أمَّا بعدُ:
أولًا: رحلةُ الإسراء والمعراج فرج بعد شدةٍ
إنَّ حياةَ نبيِّنَا مُحمدٍ ﷺ مليئةٌ بالشدائدِ والابتلاءاتِ منذُ أنْ جهرَ بدعوتِهِ إلى اللهِ تعالى، فنحن نعلمُ أنَّ اللهَ أمرَهُ بالإسرارِ بالدعوةِ ثلاثَ سنواتٍ، حتى أُمِرَ بالجهرِ بالدعوةِ، ومِن وقتِهَا توالتْ عليهِ ﷺ الشدائدُ والابتلاءاتُ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ؟! فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟! قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا!! قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى آخرها. ( متفق عليه ).
ثم توالتْ الشدائدُ والابتلاءاتُ في حياةِ الرسولِ ﷺ، كالسبِّ والشتمِ والاتهامِ بالسحرِ والجنونِ وإلقاءِ القاذوراتِ على ظهرهِ وهو ساجدٌ، وفرضِ الحصارِ عليهِ وصحابتِه الكرامِ ثلاث سنواتٍ حتى أكلُوا ورقَ الشجرِ، ثم وفاةِ عمِّه أبي طالبٍ وزوجهِ الحانيةِ خديجةَ؛ فاضطرَّ إلى الذهابِ للطائفِ لعلَّهُ يجدُ استجابةً وقبولًا، فردُّوا عليهِ أقبحَ ردٍّ، ثم سلطُوا عليه الصبيانَ والغلمانَ يرمونَهُ بالحجارةِ حتى أدمُوا عقبيهِ، فرجعَ مهمومًا مغمومًا رافعًا أكفَّ الضراعةِ إلى اللهِ تعالى قائلًا: “اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك .” (سيرة ابن هشام ).
ثم رجعَ إلى مكةَ بعدَ كلِّ هذه الشدائدِ ليأتيهِ الفرجُ مِن اللهِ برحلةِ الإسراءِ والمعراجِ!!
فبعدَ هذه الأجواءِ الكالحةِ، والظروفِ الحرجةِ، يمُنُّ اللهُ عليهِ ﷺ برحلةٍ تاريخيةٍ لم ينلْ شرفَهَا قبلَهُ نبيٌّ مرسلٌ ولا ملَكٌ مقربٌ، هي رحلةٌ مباركةٌ طيبةٌ، بدأتْ بأقدسِ بقاعِ الأرضِ، وانتهتْ بأعلَى طبقاتِ السماءِ، وكأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أرادَ أنْ يقولَ لحبيبهِ ﷺ: يا محمدٌ إذا كانَ أهلُ مكةَ آذوكَ وطردوكَ، فإنَّ ربَّ البريةِ لزيارتِهِ يدعوكَ!!
فكانتْ رحلةُ الإسراءِ والمعراجِ، وبعدَ المحنِ تأتِي المنحُ، وبعدَ الشدةِ يأتي الفرجُ، وبعدَ العسرِ يأتي اليسرُ!!
يا محمدٌ: لا تظنّ بأنَّ جفاءَ أهلِ الأرضِ يعنِى جفاءَ أهلِ السماءِ!! يا محمدٌ: إنَّ اللهَ يدعوكَ اليومَ ليعوضكَ بجفاءِ أهلِ الأرضِ حفاوةَ أهلِ السماءِ!! حيثُ تبدأُ تلك الرحلةُ الأرضيةُ السماويةُ، وهذا هو الفرجُ العظيمُ الذى أزالَ عن النبيِّ ﷺ كلَّ همٍّ وغمٍّ مرَّ بهِ وأزاحَ عنهُ كلَّ أذَى أصابَهُ، فأيُّ خيرٍ وفضلٍ وشرفٍ وتكريمٍ مِن أنْ يكونَ الحبيبُ ضيفًا على الكريمِ.؟!!
تنكَّرَ لهُ الخلقُ فاستقبلَهُ الخالقُ!! سُدَّتْ في وجههِ أبوابُ الأرضِ ففُتحَتْ له أبوابُ السماءِ!! أدمتْهُ الحجارةُ الباغيةُ فاستقبلتْهُ القبلاتُ الحانيةُ!! لم يسمعْهُ الناسُ في الطائفِ فجمعَ اللهُ له الأنبياءَ والمرسلينَ في “بيتِ المقدسِ” فكان لهم قائدًا وإمامًا!! فمِن زحمةِ الابتلاءِ، كانت رحلةُ الإسراءِ مِنْحةً واصطفاءً، رحمةً واجتباءً!!
ثانيًا: الفرج بعد الشدة قصص وعبر
هذه صورٌ مشرقةٌ لأُناسٍ كانوا في شدةٍ وهمٍّ، وكيفَ فرّجَ اللهُ كربَهُم وأزالَ همّهُم وغمَّهُم؟!
القصةُ الأولَى: الفرجُ بعدَ الشدةِ كان سببًا في إسلامِهَا: فعَنْ عَائِشَةَ، ” أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَتْ: فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ: وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ “.( البخاري ). فهذه الوليدةُ كانت كافرةً واتهمتْ وهي بريئةٌ، فدعتْ اللهَ فاستجابَ دعاءَهُا، فجاءَهَا الفرجُ بعدَ الشدةِ، وكان ذلك سببًا في إسلامِهَا!! يقولُ الحافظُ ابنُ حجرٍ في الفتحِ: ” فيهِ فضلُ الهجرةِ مِن دارِ الكفرِ، وإجابةُ دعوةِ المظلومِ ولو كان كافرًا؛ لأنَّ في السياقِ أنَّ إسلامَهَا كان بعدَ قدومِهَا المدينة”.
القصةُ الثانيةُ: إذا كنتَ في شدةٍ فادعُ بهذا الدعاءِ: ” فعن أصبغَ بنِ زيدٍ قال: مكثتُ أنا ومَن عندي ثلاثًا لم نُطعمْ شيئًا –أي: مِن الجوعِ- فخرجتُ إلي ابنتِي الصغيرةِ وقالت: يا أبتِ! الجوع! –تشكو الجوعَ- قال: فأتيتْ الميضأةَ، فتوضأتُ وصليتُ ركعتينِ، وأُلهمتُ دعاءً دعوتُ بهِ، في آخرِه: اللهُمَّ افتحَ عليَّ منكَ رزقًا لا تجعلْ لأحدٍ عليَّ فيهِ مِنَّةً، ولا لكَ عليَّ في الآخرةِ فيهِ تبعة، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين! ثم انصرفتُ إلى البيتِ، فإذا بابنتِي الكبيرةِ وقد قامتْ إليَّ وقالت: يا أبه! جاءَ رجلٌ يقولُ إنّهُ عمِّي بهذه الصرةِ مِن الدراهمِ وبحمّالٍ عليهِ دقيقٌ، وحمّالٍ عليهِ مِن كلِّ شيءٍ في السوقِ، وقال: أقرئُوا أخي السلامَ وقولُوا له: إذا احتجتَ إلى شيءٍ فادعُ بهذا الدعاءِ، تأتكَ حاجتُكَ، قال أصبغُ بنُ زيدٍ: واللهِ ما كان لي أخٌ قط، ولا أعرفُ مَن كان هذا القائلُ، ولكنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ.!!”. ( المستغيثين بالله تعالى عند المهمّات والحاجات – ابن بشكوال ).
القصةُ الثالثةُ: تدلُّ العبادَ على اللهِ ثُمَّ تنساهُ؟!: ” فعن شقيقِ البلخِي قال: كنتُ في بيتِي قاعدًا فقالَ لي أهلِي: قد ترى ما بهؤلاءِ الأطفالِ مِن الجوعِ، ولا يحلُّ لكَ أنْ تحملَ عليهم ما لا طاقةَ لهم بهِ، قال: فتوضأتُ وكانَ لي صديقٌ لا يزالُ يقسمُ عليَّ باللهِ إنْ يكن بي حاجةٌ أعلمهُ بهَا ولا أكتمهَا عنه، فخطرَ ذكرُهُ ببالِي، فلمَّا خرجتُ مِن المنزلِ مررتُ بالمسجدِ، فذكرتُ ما روي عن أبي جعفرٍ قال: مَن عُرضَتْ لهُ حاجةٌ إلى مخلوقٍ فليبدأْ فيها باللهِ عزَّ وجلَّ، قال: فدخلتُ المسجدَ فصليتُ ركعتين، فلمَّا كنتُ في التشهدِ، أفرغَ عليَّ النومُ، فرأيتُ في منامِي أنَّهُ قِيل: يا شقيقُ! أتدلُّ العبادَ على اللهِ ثُم تنساهُ؟! قال: فاستيقظتْ وعلمتْ أنَّ ذلك تنبيهٌ نبهنِي بهِ ربِّي، فلم أخرجْ مِن المسجدِ حتى صليتُ العشاءَ الآخرةَ، ثم تركتُ الذهابَ لصاحبِي وتوكلتُ على اللهِ، وانصرفتُ إلى المنزلِ فوجدتُ الذي أردتُ أنْ أقصدَ قد حركَهُ اللهُ وأجرَى لأهلِي على يديهِ ما أغناهُم”.(مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي؛ وذكره ابن بشكوال في المستغيثين بالله ).
وهكذا كان الفرجُ بعدَ الشدةِ في حياةِ الصالحين، فعلينَا أنْ نعلقَ قلوبَنَا بربِّنَا ونحسنَ الظنَّ بهِ سبحانَهُ، فإنَّ مع العسرِ يسرًا، وبعدَ الشدةِ مخرجًا.
ثالثًا: إنّ مع العسر يسرًا ومع الشدةِ فرجًا
إنَّ كلَّ واحدٍ منَّا يمرُّ بشدائدَ ومحنٍ، شدائدَ متنوعةٍ ومتفرقةٍ ومختلفةٍ، فمنكُم مَن يمرُّ بشدةٍ اجتماعيةٍ، وآخرُ يمرُّ بشدةٍ اقتصاديةٍ، وثالثٌ يمرُّ بشدةٍ نفسيةٍ، ورابعٌ يمرُّ بشدةٍ مرضيةٍ …………إلخ. كلُّ هذه الشدائدِ والمحنِ بعدَهَا فرجٌ قريبٌ، فبعدَ الجوعِ شبعٌ، وبعدَ الظمأِ ريٌّ، وبعدَ السهرِ نومٌ، وبعدَ المرضِ عافيةٌ، سوفَ يصلُ الغائبُ، ويهتدِي الضالُّ، ويُفكُّ العانِي، وينقشعُ الظلامُ { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } (المائدة: 52).
بشِّر الليلَ بصبحٍ صادقٍ سوفَ يطاردهُ على رؤوسِ الجبالِ ومساربِ الأوديةِ، بشِّر المهمومَ بفرجٍ مفاجئٍ يصلُ في سرعةِ الضوءِ ولمحِ البصرِ، بشِّر المنكوبَ بلطفٍ خفيٍّ وكفٍّ حانيةٍ وادعةٍ، صبحُ المهمومينَ والمغمومينَ لاح، فانظرْ إلى الصباحِ وارتقبْ الفتحَ مِن الفتّاحِ، إذا رأيتَ الصحراءَ تمتدُّ وتمتدُّ، فاعلمْ أنَّ وراءَهَا رياضًا خضراءَ وارفةَ الظلالِ، وإذا رأيتَ الحبلَ يشتدُّ ويشتدُّ فاعلمْ أنَّهُ سوفَ ينقطعُ. مع الدمعةِ بسمةٌ، ومع الخوفِ أمنٌ، ومع الفزعِ سكينةٌ. فلا تضق ذرعًا، فمِن المحالِ دوامُ الحالِ، وأفضلُ العبادةِ انتظارُ الفرجِ، الأيامُ دولٌ، والدهرُ قُلّبٌ، والليالِي حبالَى، والغيبُ مستورٌ، والحكيمُ كلُّ يومٍ هو في شأنٍ، ولعلَّ اللهَ يحدثُ بعدَ ذلك أمرًا، وإنَّ مع العسرِ يُسرًا، إنَّ مع العسرِ يُسرًا. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”يَا غُلامُ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ بِاللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلائِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، أَوْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا أَرَادَ أَنْ يُصِيبَكَ بِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ.”( الطبراني والحاكم بسند صحيح)
دعْ المقاديرَ تجرِي في أعنتِهَا….. ولا تبيتنَّ إلّا خالِيَ البالِ
ما بينَ غمضةِ عينٍ وانتباهتِهَا….. يغيرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ
إنَّ الشدائدَ – مهما تعاظمتْ وامتدتْ- لا تدومُ على أصحابِهَا، ولا تخلدُ على مصابِهَا، بل إنّهَا أقوَى ما تكونُ اشتدادًا وامتدادًا واسودادًا، أقربُ ما تكونُ انقشاعًا وانفراجًا وانبلاجًا، فيأتِي العونُ مِن اللهِ والإحسانُ عندَ ذروةِ الشدةِ والامتحانِ، وهكذا نهايةُ كلِّ ليلٍ غاسقٍ فجرٌ صادقٌ.
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرجٌ ….. أبشرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ
اليأسُ يقطعُ أحيـــــــــــــانًا بصاحبِهِ ….. لا تيــــــــأسنَّ فإنَّ الـــــــــكافِي اللهُ
اللهُ يحـــــدثُ بعـــدَ العسرِ ميسرةً ….. لا تجــــــــزعنَّ فإنَّ الصانعَ اللهُ
إذا ابتليتَ فثــــــقْ باللهِ وارضَ بهِ ….. إنَّ الذي يكشفُ البلوىَ هو اللهُ
واللهِ مــــــــــالكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ….. فحـسبُكَ اللهُ في كـــــــــــــــــلٍ لكَ اللهُ
إنَّ هذه الأيامَ أيامُ الصبرِ، تحتاجُ منكُم الصبرَ على الشدائدِ، يقولُ ﷺ:”إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَهُ كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ”قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ:”بَلْ مِنْكُمْ”قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ:”لا، بَلْ مِنْكُمْ”ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَرْبَعًا . (الطبراني).
فإذَا داهمتْكَ داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرقِ منهَا، وإذا ناولَكَ أحدُهُم كوبَ ليمونٍ فأضفْ إليهِ حفنةً مِن سكرٍ، وإذا أهدَى لكَ ثعبانًا فخذْ جلدَهُ الثمينَ واتركْ باقيَهُ، وإذا لدغتْكَ عقربٌ فاعلمْ أنّهُ مصلٌ واقِ ومناعةٌ حصينةٌ ضدَّ سمِّ الحياتِ، تكيفْ في ظرفِكَ القاسِي، لتخرجَ لنَا منهُ زهرًا ووردًا وياسمينًا، { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19).
اللهُمَّ فرّجْ همَّ المهمومين ونفسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المدينين، ويسرْ أمورَ المسلمين، اللهُمّ اجعلْ لنَا مِن كلِّ همٍّ فرجًا، ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومِن كلِّ بلاءٍ عافيةً، ومِن كلِّ مرضٍ شفاءً، ومِن كلِّ دينٍ وفاءً، ومِن كلِّ حاجةٍ قضاءً، ومِن كلِّ ذنبٍ مغفرةً ورحمةً.