يوفر لكم موقع “من العاصمة الإخباري” خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير اليوم 6 شعبان 1445 هـ، الموافق 16 فبراير 2024م، بعنوان ” حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات”.
عناصر خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
أولا: أولادنا بين النعمة والنقمة.
ثانيا: مظاهر عناية الإسلام بحقوق الطفل.
ثالثا: المسئوليةُ عن الأولاد أمام اللهِ يوم القيامة.
خطبة الجمعة اليوم للدكتور خالد بدير
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ، أمَّا بعدُ:
أولًا: أولادنا بين النعمة والنقمة
إنّ نعمةَ الولدِ مِن أجلِّ وأفضلِ وأرفعِ النعمِ في هذه الحياةِ، ولا يعرفُ قيمةَ هذه النعمةِ إلّا مَن فقدَهَا واكتوىَ بنارِ فقدِهَا، ودفعَ الغالِي والثمينَ مِن أجلِّ الحصولِ عليهَا.
وتكتملُ فرحةُ الإنسانِ بهذه النعمةِ إذا نشَّأَ أولادَهُ على تعاليمِ الدينِ الصحيحِ، وربَّاهُم تربيةً إيمانيةً سليمةَ، فيكونُوا قرةَ عينٍ لهُ في حياتِه، وفي موازينِ حسناتِه في آخرتِه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ؛ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة). أمّا إذا أهملَ الأبوانِ تربيةَ أولادِهِم، وتركُوا لهم الحبلَ على الغاربِ فلم يعلمُوهُم، فإنّ الأولادَ في هذه الحالِ يكونونَ نقمةً.
فالأولادُ اختبارٌ وامتحانٌ، قالَ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}. ” أي: اختبارٌ وامتحانٌ منه لكُم، إذ أعطاكمُوهَا ليعلمَ أتشكرونَهُ عليها وتطيعونَهُ فيها، أو تشتغلونَ بها عنه، وتعتاضُونَ بها منه؟”(تفسير ابن كثير).
ولقد بيّنَ لنا الرسولُ ﷺ أنّ الأولادَ يولدونَ فطرةً نقيةً بيضاءَ، وللأبوين دورٌ كبيرٌ في جعلِهِم نعمةً أو نقمةً!! فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ؛ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ؛ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟! ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (متفق عليه).
فالولدُ الصالحُ البارُّ يكونُ قرةَ عينٍ لوالدِيه في حياتهِما، ورصيدَ حسناتٍ جارٍ لهما بعد مماتِهِمَا، والولدُ العاقُّ الضالُّ – والعياذُ باللهِ – يكونُ سببًا لشقاءِ والديهِ في حياتِهِمَا، وربَّمَا يمتدُّ ذلك لهما بعدَ المماتِ بدعواتِ الناسِ على المؤذِي وعلى والديهِ.
يقولُ الإمامُ الغزاليُّ رحمَهُ اللهُ في رسالتِه أنجعِ الرسائلِ: «الصبيُّ أمانةٌ عندَ والديهٍ، وقلبُه الطاهرُ جوهرةٌ ساذجةٌ خاليةٌ مِن كلِّ نقشٍ وصورةٍ، وهو قابلٌ لكلِّ ما نقشَ، ومائلٌ إلى كلِّ ما يمالُ به إليه، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ، نشأَ عليهِ وسعدَ في الدنيا والآخرةِ أبواهُ، وكلُّ مُعلِّمٍ له ومؤدِّبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشرَّ وأُهْمِلَ إهمالَ البهائِم؛ شقيَ وهلكَ، وكان الوزرُ في رقبةِ القيِّمِ عليهِ والوالِي لهُ».
ثانيًا: مظاهر عناية الإسلام بحقوق الطفل
تتمثلُ مظاهرُ عنايةِ الإسلامِ بحقوقِ الطفلِ في أثرِ سيدِنَا عمرَ بنِ الخطابِ – رضي اللهُ عنه – حينما ” جاءَهُ رجلٌ يشكُو إليهِ عقوقَ ابنِه، فأحضرَ عمرُ الوالدَ وابنَهُ وأنَّبَهُ على عقوقِه لأبيهِ، ونسيانِهِ لحقوقِه، فقالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنين أليسَ للولدِ حقوقٌ على أبيهِ؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أميرُ المؤمنين؟ قال عمرُ: أنْ ينتقِي أُمَّهُ، ويحسنَ اسمَهُ، ويعلمَهُ الكتابَ ( أي القرآن )، قالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنين إنّ أبِي لم يفعلْ شيئًا مِن ذلك، أمّا أُمِّي فإنّها زنجيةٌ كانت لمجوسِي، وقد سمانِي جُعلًا ( أي خنفساء )، ولم يعلمنِي مِن الكتابِ حرفًا واحدًا 0 فالتفتَ عمرُ إلى الرجلِ وقالَ لهُ: جئتَ إليَّ تشكُو عقوقَ ابِنِك، وقد عققتَهُ قبلَ أنْ يعقَّكَ، وأسأتَ إليهِ قبلَ أنْ يسيءَ إليك ؟! ” ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان).
ومِن خلالِ هذا الأثرِ وغيرِه مِن الآثارِ والأحاديثِ نستخلصُ مظاهرَ عنايةِ الإسلامِ بحقوق الطفل والتي تتمثلُ في مراحلِ النشءِ الثلاث: قبلَ ولادتِه، وعندَ ولادتِه، وبعدَ فطامِه.
المرحلةُ الأولي: مظاهرُ عنايةِ الإسلامِ بحقوق الطفل قبلَ ولادتِه
وتبدأُ باختيارِ الزوجينِ لأنّهمَا أساسُ البناءِ، ففي الحثِّ على اختيارِ الزوجةِ يقولُ الرسولُ ﷺ: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه).
ومِن هنَا يرى علماءُ التربيةِ أنّ دورَ الأمِّ في تربيةِ الطفلِ يسبقُ دورَ الأبِّ، وذلك لكثرةِ ملازمتِهَا للطفلِ منذُ تكوينِه جنينًا في بطنِهَا حتى يكبر. وصدقَ الشاعرُ حافظُ إبراهيمُ إذ يقولُ:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتهَا ………………….. أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ
كذلك حثَّ على اختيارِ الزوجِ صاحبِ الدينِ والخلقِ، وفي ذلك يقولُ ﷺ:” إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ؛ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟! قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.” ( الترمذي وحسنه).
كما اعتنَى الإسلامُ بالطفلِ وهو ما زالَ جنينًا في بطنِ أُمِّه، فحرّمَ إسقاطَ الجنينِ وإجهاضَ الحاملِ بعدَ نفخِ الروحِ فيه، ولو كان هذا الإسقاطُ أو الإجهاضُ باتفاقِ الزوجين؛ لأنّهُ قتلٌ للنفسِ التي حرّمَ اللهُ قتلهَا إلّا بالحقِّ، قال تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }(الأنعام: 151).
كما أوقفَ الإسلامُ إقامةَ الحدِّ على الأمِّ حفاظًا على حياةِ الجنينِ، فقد أرجأَ رسولُ اللهِ ﷺ إقامةَ الحدِّ على الغامديةِ حتى تلدَ، وما كان ذلك إلّا حفاظًا على حقِّ العنايةِ بالجنينِ أثناءَ حملِه.
كما أجازَ للأمِّ الحاملِ أنْ تفطرَ في رمضانَ إذا كان الحملُ يضعفُهَا ويؤثرُ على صحتِهَا ويُلحِقُ الضررَ بها، وذلك لحرصِ الإسلامِ على سلامةِ الجنينِ وتغذيتِه تغذيةً جيدةً.
كما أوقفَ الإسلامُ توزيعَ التركاتِ، وذلك خشيةَ تقسيمِ التركةِ بينَ الورثةِ الأحياءِ وضياعِ نصيبِه فيها، ولو وزعتْ نعطيه نصيبَهُ على أنَّه ذكرٌ، فإنْ جاءتْ أنثَى يُردُّ الفرقُ على الورثةِ مرةً أخرى .
المرحلةُ الثانية: مظاهرُ عنايةِ الإسلامِ بحقوق الطفلِ عندَ ولادتِه.
وتبدأُ باتباعِ السنةِ في استقبالِ المولودِ: وذلك بالتأذينِ والإقامةِ في أذنيهِ، وتحنيكهِ بالتمرِ، والدعاءِ له، وحلقِ رأسهِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ؛ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى”.(البخاري) .
كذلك العقيقةُ عنه: لقولِ الرسولِ ﷺ: ” عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ “(الترمذي وحسنه). والعقيقةُ شعيرةٌ تشتملُ على إظهارِ الفرحِ بنعمةِ اللهِ بالولدِ، والشكرِ لهُ بالتصدقِ بلحمِ هذه العقيقةِ.
كذلك تسميتُهُ بأحبِّ الأسماءِ: لذلك حثّنَا ﷺ على اختيارِ الاسمِ الحسنِ، فكان إذا رأَى اسمًا قبيحًا غيّرَهُ، فقد غيّرَ ﷺ اسمَ عاصيةَ، وقال أنتِ جميلةٌ، وسمَّى حربًا سلمًا، وشعبَ الضلالةِ سمّاهُ شعبَ الهدَى، والعاصِي سمّاهُ رسولُ اللهِ مطيعًا، ولمّا رأَى سهيلَ بنَ عمرٍو مقبلًا يومَ صلحِ الحديبيةِ قال سهلَ أمر كُم.
كذلك حقُّ الطفلِ في الرضاعةِ والحضانةِ: وأفضلُ الرضاعةِ ما كانتْ حولينِ كاملينِ لقولِ الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، ومِن هنا كانت حكمةُ اللهِ تعالى في إرجاعِ موسى إلى أُمّه كي تقرَّ عينُهَا ولا تحزن، قال اللهُ تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ}( القصص: 13).
المرحلةُ الثالثةُ: مظاهرُ عنايةِ الإسلامِ بحقوق الطفل بعدَ فطامهِ.
وذلك بأنْ يعلمَهُ والداهُ كتابَ اللهِ عزّ وجلّ: ثم ما يلزمُ مِن العلومِ الضروريةِ الدينيةِ والدنيويةِ، فقد أخرجَ أبو داودَ عن سهلِ بنِ معاذٍ رضي اللهُ عنه أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!”، وقد أدركَ المسلمون السابقون أهميةَ التربيةِ على القرآنِ فتسابقُوا في هذا الميدانِ وتنافسُوا، يقولُ الإمامُ الشافعيُّ رحمه اللهُ: “حفظتُ القرآنَ وأنا ابنُ سبعِ سنين، وحفظتُ الموطأَ وأنا ابنُ عشر” ويقولُ سهلُ التسترِي: “مضيتُ إلى الكتابِ فتعلمتُ القرآنَ وحفظتُهُ وأنا ابنُ ستِ سنين أو سبعِ سنين”.
كذلك يُعوَّدُ على أداءِ العباداتِ في سنٍّ مبكرةٍ، يقولُ ﷺ: ” مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ” . (أحمد وأبو داود ). وأخرج البخاري ومسلم عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ قَالَتْ” كُنَّا نَصُومُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ”.
وقد ضربَ النبيُّ ﷺ لنَا المثلَ والقدوةَ في التربيةِ والعنايةِ بالنشءِ، فعن ابنِ عباسٍ قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ ﷺ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( أحمد والترمذي وصححه ).
وعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. (البخاري).
ثالثًا: المسئوليةُ عن الأولاد أمام اللهِ يوم القيامة
أيُّها الآباءُ الفضلاءُ والأمهاتُ الفضلياتُ: اعلمُوا أنّكم مسئولونَ يومَ القيامةِ عن أولادِكُم، يقولُ ﷺ في قولِه:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”( متفق عليه).
” قالَ العلماءُ: الراعِي هو الحافظُ المؤتمنُ الملتزمُ صلاحَ ما قامَ عليه، وما هو تحتَ نظرهِ، ففيهِ أنّ كلَّ مَن كان تحت نظرهِ شيءٌ فهو مطالبٌ بالعدلِ فيهِ، والقيامُ بمصالحهِ في دينهِ ودنياه.” ( شرح النووي).
فعليكُم إصلاحَ أولادِكُم، والتصبرَ في تعليمهِم وتعويدهِم على الطاعةِ، واحفظوهُم مِن الضياعِ مع الشبابِ الفاسدِ الطائشِ، قال ﷺ: ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( ابن حبان والترمذي بسند صحيح). فأولادُكُم أمانةٌ في أيدِيكُم وستسألونَ عنهم فماذا أنتم قائلون؟!
إنّ للأسرةِ دورًا كبيرًا في رعايةِ الأولادِ وفي تشكيلِ أخلاقهِم وسلوكهِم، وما أجملَ عبارةَ : ” إنّ وراءَ كلِّ رجلٍ عظيمٍ أبوين مربيين”، وكما يقولُ بعضُ أساتذةِ علمِ النفسِ: “أعطونَا السنواتِ السبعَ الأولى للأبناءِ نعطيكُم التشكيلَ الذي سيكونُ عليه الأبناءُ”. وكما قيلَ : “الرجالُ لا يولدونَ بل يُصنعون”. وكما قال الشاعرُ:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنَّا ………………….. على ما كان عَوَّدَهُ أبُوهُ
وإهمالُ تربيةِ الأبناءِ جريمةٌ يترتبُ عليها أَوْخَمُ العواقبِ على حدِّ قولِ الشاعرِ:
إهمالُ تربيةِ البنينِ جريمةٌ ………………….عادتْ على الآباءِ بالنكباتِ
وأذكرُ قصةً في جانبِ الإهمالِ: سرقَ رجلٌ مالًا كثيرًا، وقُدّمَ للحدِّ فطلبَ أمَّه، ولمَّا جاءتْ دعاهَا ليقبلَهَا، فعضَّهَا عضةً شديدةً، فقيلَ لهُ ما حملَكَ على ذلك؟ قال: سرقتٌ بيضةً وأنا صغيرٌ، فشجعتنِي وأقرتنِي على الجريمةِ حتى أفضتْ بي إلى ما أنَا عليهِ الآن! فمَن أهملَ تعليمَ ولدِه ما ينفعهُ، وتركهُ سدَى، فقد أساءَ إليه غايةَ الإساءةِ، وأكثرُ الأولادِ إنّما جاءَ فسادُهُم مِن قبلِ الآباءِ، وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمهِم فرائضَ الدينِ وسننَهِ، فأضاعُوهُم صغارًا فلم ينتفعُوا بأنفسِهِم، ولم ينفعُوا آباءَهُم كبارًا. كما عاتبَ بعضُهُم ولدَهُ على العقوقِ، فقال الولدُ: «يا أبتِ إنّك عققتنِي صغيرًا، فعققتُكَ كبيرًا، وأضعتنِي وليدًا، فأضعتُكَ شيخًا».
إنّ صلاحَ أولادِنَا أنْ نغرسَ فيهم منهجَ نبيِّنَا في جميعِ شئونِ الحياةِ، وذلك بتعليمِهِم آدابَ الصلاةِ والصومِ والاستئذانِ ودخولِ البيتِ وخروجِه وآدابَ الطعامِ والشرابِ، وغيرهَا مِن الآدابِ التي حثّنَا عليها الإسلامُ.
نسألُ اللهَ أنْ يهبَ لنَا مِن أزواجِنَا وذرياتِنَا قرةَ أعينٍ وأنْ يجعلنَا للمتقينَ إمامًا.