كتب: هناء سويلم
محمود أبو الفتح، هو أحد كبار رجال الصحافة وأول نقيب للصحفيين ، ولقب بـ«شيخ الصحفيين»، وانتقل بالصحافة إلى مرحلة الصناعة القائمة على الخبر والتحليل، بعيدًا عن الإنشاء والصيغ الأدبية، كان له الدور الكبير في إنشاء نقابة الصحفيين بعدما تنازل عن شقته بعمارة الإيموبيليا لتصبح مقرًا لنقابة الصحفيين، وتم انتخابه بالإجماع من الصحفيين كأول نقيب لهم في 1941.
ولد أول نقيب للصحفيين محمود من الفتح، بمدينة الزقازيق، تخرج من كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، لكن اندماجه في العمل الوطني وتأييده للوفد وزعيمه سعد زغلول تسبب في فصله من الكلية عدة مرات، ولم يستطيع العودة إلا بعد تعهد من والده الشيح أحمد أبو الفتح أستاذ الشريعة الإسلامية بالكلية نفسها.
بعد التخرج التحق للعمل كمراسل وكاتب بجريدة «وادي النيل»، التي كانت تصدر بالإسكندرية براتب قدره جنية ونصف، وكان أسلوبه الصحفي خاليًا من الأسلوب الأدبي والبلاغة التقليدية، وقبل اندلاع ثورة 1919 ترجم كل ما نُشر عن مصر والقضية المصرية في الصحف الأجنبية، ورد على ما فيها من أكاذيب، وانفرد بإجراء حديث مطول مع اللورد ألنبي، أنكر فيه ألنبي كل حقوق مصر، وقد أثار هذا الحديث ردود فعل واسعة.
سافر أبو الفتح مع سعد زغلول إلى أوروبا مستشارًا إعلاميًا للوفد المصري، إلى جانب تغطيته أخبار مفاوضات الوفد في لندن لحساب جريدة الأهرام، وروى في هذا الأمر أن «الأهرام» كان يرسل له من المال ما يكاد يكفي لغذائه وتنقلاته وبرقياته، لذا نام أبو الفتح في محطة سكة حديد لندن، وما إن نشرت إحدی المجلات هذا الخبر حتى باع أبوه الشيخ أحمد أبو الفتح أحد فدادينه وأرسل له ثمن الفدان.
بعد وفاة داوود بركات رئيس تحرير الاهرام، اتجهت التوقعات إلى محمود أبو الفتح كأبرز المرشحين لرئاسة تحرير الأهرام، لكن أصحاب الجريدة عيّنوا أنطون الجميل رئيسًا للتحرير، مما جعل محمود أبو الفتح يفكر في إنشاء جريدة المصري، وقد شاركه في إنشائها الصحفيان البارزان محمد التابعي وكريم ثابت، رفيقاه في المكتب ذاته بجريدة الأهرام.
أول نقيب للصحفيين
وباع الشيخ أحمد أبو الفتح فدانين آخرين من فدادينه، دفع ابنه بثمنهما حصته في الجريدة، كما وضع التابعي وكريم ثابت مدخراتهما في مشروع الجريدة الجديدة، التي صدرت سنة 1936، وكانت ندًا قويًا للأهرام، وبعدما باع شريكاه حصصهما في الجريدة صار أبو الفتح المالك الوحيد للجريدة.
وبعد قيام حركة الضباط في يوم 23 يوليو عام 1952، قامت السلطات بتعطيل جريدة المصري ومصادرة كل ممتلكات محمود أبو الفتح وأسرته حتى فيلا والده في شارع أحمد حشمت بالزمالك والتي تحولت إلى مدرسة إعدادية، وكان ذلك بسبب موقف أبو الفتح وجريدته المؤيد للديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته أثناء أزمة مارس عام 1954م 1954.
وتم الحكم على أبو الفتح وشقيقه حسين أبو الفتح أمام محكمة الثورة بتهمة أنهما أتيا أفعالًا ضد سلامة الوطن وصدر الحكم بسجن محمود أبو الفتح الذي كان متغيبا بأوروبا مدة عشر سنوات ومصادرة 358 ألف جنيه من أمواله ومعاقبة حسين أبو الفتح بالحبس مدة خمسة عشر سنة مع إيقاف التنفيذ وطبقا لهذا الحكم عطلت جريدة المصري منذ يوم 5 مايو عام 1954م.
اشتهر أبو الفتح، بأنه أشهر عازب في الصحافة المصرية، وقال عن سبب عدم زواجه: «عملي في الليل والزواج لا يتفقان.. ويجب أن يكرس الزوج أكبر وقت ممكن لزوجته وحياته الأسرية، ونحن معشر الصحفيين لا نصلح للزواج».
توفي محمود أبو الفتح بجنيف في 15 أغسطس 1958، ورفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يُدفن في مصر خشية أي مردود شعبي خلال الجنازة والعزاء، ودفن فى تونس بعدما استقبل جثمانه الرئيس بورقيبة تقديراً له، وعقب رحيل الرئيس جمال عبد الناصر قام الرئيس الراحل أنور السادات بتكريم اسم محمود أبو الفتح ومنحه وساما من أعلى الأوسمة فى الدولة.